للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

نظامًا! إنه شر خالص! وليس لهذا الشر من دواء إلا أن يتحطم فنستريح الراحة الكبرى، فإن لم يتحطم هذا العالم من نفسه فلنحطمه نحن بأيدينا هذا التحطيم السلبي، فنعطل الزواج والتناسل، ولعله من أجل ذلك كان يهاجم المرأة هجومًا عنيفًا، كأن يقول:

ومن صفات النساء قِدمًا ... أن لسن في الوُدِّ منصفاتِ

وما يبين الوفاءُ إلا ... في زمنِ الفقدِ والوفاةِ

أو يقول:

ألا إن النساءَ حبالُ غيٍ ... بهن يضيعُ الشرفُ التليدُ

ويستمر أبو العلاء في ترديد هذا السخط على الحياة والناس الذي يحيون فيها من رجال ونساء. والإنسان لا يتابعه في لزومياته حتى تكثر في سمعه هذه الأنغام التي تدل على أنه مغيظ من الناس جميعًا غيظًا شديدًا؛ فهو حنق عليهم ضيق بهم وبكل شيء فيهم حتى تقواهم ودينهم:

نادتْ على الدينِ في الآفاقِ طائفةٌ ... يا قوم من يشتري دينًا بدينارِ

جنوا كبائرَ آثامٍ وقد زعموا ... أن الصغائرَ تجني الخلدَ في النَّارِ

ويقول في بعض الوعاظ والنساك:

بخِيفةِ اللهِ تعبدتنا ... وأنت عينُ الظالمِ اللَّاهي

تأمرُنا بالزُّهدِ في هذه الدُّنيا ... وما همُّك إلا هِي

ويقول:

توهمتَ يا مغرورُ أنك ديِّنٌ ... علي يمين اللهِ ما لك دينُ

تسير إلى البيتِ الحرامِ تنسكًا ... ويشكوك جارٌ بائسٌ وخَدينُ

ويقول أيضًا:

سبِّح وصلِّ وطفْ بمكةَ زائرًا ... سبعين لا سبعًا فلست بناسِكِ

وكما يهاجم الوعاظ والنساك وغيرهم من علماء الدين يهاجم المتصوفة أيضًا هجومًا عنيفًا، وكان يسخر خاصة من الرقص الذي شاع بينهم في عصره على

<<  <   >  >>