تاء أو غير ذلك من حروف". ونحن نلتفت من هذه الكلف إلى أن اللزوميات ليست ديوانًا بالمعنى المألوف عند العرب، ولعل ذلك ما جعل أبا العلاء يسميها في مقدمته لها تأليفًا، وسماها مرة أخرى كتابًا، وحقًّا إنها ألفت على شكل التأليف والكتب؛ فقد قسِّمت إلى أبواب وقسمت الأبواب إلى فصول وهل هناك ديوان قبل اللزوميات نظم شعرًا ووُزِّع -على هذا الطراز- إلى أبواب وفصول كما يصنع أصحاب النثر بتآليفهم وكتبهم؟!
ومهما يكن فاللزوميات أول ديوان في اللغة العربية يؤلَّف على طريقة خاصة يذكرها الشاعر في مقدمته ويطبقها على أبياته بيتًا بيتًا. وهذه الطريقة يحددها أبو العلاء بثلاث كلف؛ ولكن لنحذر هذا التحديد، فهي أكثر من ذلك وأوسع، ولست أجد كلمة تعبر عن هذه الكلف الكثيرة ككلمة اللزوميات التي يظهر أنها استعيرت للديوان من كتب المناطق لتدل على ما فيه من نسب ومعادلات بين ألفاظه وقوافيه. وإذن فتصنع المعري في اللزوميات لا يقف عند الكلف العروضية بل يتعداها إلى كلف أخرى كان يشغل بها هذا الفراغ الطويل الذي امتد إلى نحو خمسين عامًا قضاها حبيس بيته ونظره وأفكاره المظلمة في الحياة والكون، وعبر عن ذلك أجمل تعبير؛ إذ يقول:
أراني في الثلاثة من سُجُوني ... فلا تسأل عن الخبر النَّبيثِ١
لفقدي ناظري ولزوم بيتي ... وكونِ النفسِ في الجسمِ الخبيثِ
وذهب يحبس أفكاره في هذه السجون العروضية السابقة ولم يكتف بها؛ إذ أراد أن ينوع فيها كما تنوعت سجونه، واستعان بثقافته على ما يريد من هذا التنويع، ولعل أهم ثقافة سجن في قيودها آثاره هي الثقافة اللغوية؛ إذ نراه يتصنع الإغراب في ألفاظه، وعمَّم ذلك في جميع أشعاره وكتاباته، حتى ليشعر الإنسان في أحوال كثيرة بأنه يقرأ في متن من متون اللغة العويصة، ولقد كان المظنون أن يبتعد بها الإغراب في اللغة عن اللزوميات، فإن ما فيها من وعظ لا تلائمه الألفاظ الغريبة إذ هو يوجه عادة إلى الجماهير وهي لا تعرف