وعبث أن نبحث بعد ذلك عن جديد في الشعر؛ فقد اندفع الشعراء بعد أبي العلاء في هذه الممرات الضيقة، كما نجد عند الحريري وعند غيره من الشعراء ممن وقف عندهم صاحب معاهد التنصيص يروي لهم مقطوعات تقرأ طردًا وعكسًا، أو يلتزم الشاعر فيها الحروف المهملة أو الحروف المعجمة إلى غير ذلك من عبث لا يفيد الشعر شيئًا١. وكأني بالشعر العربي ارتفع به العباسيون إلى القمة ثم أخذ يسقط رويدًا رويدًا؛ فإذا هو قصائد تلفق تلفيقًا، وقلما احتوت جمالًا من زخرف أو فكر. وحتى ألوان التصنيع القديمة أصابها ما أصاب لون الجناس عند المعري، إذا تحولت إلى صور هندسية، قلما يجد الإنسان فيها طرافة إلا تعقيدًا يقضي على كل ما يبعثه الشعر من لذة شعرية أو متعة فنية.