قبائل البَسْك والسَّلت والجلالقة من الشمال من بلاد الغال، كما نزل بها كثير من البربر سكان إفريقية الشمالية، ثم نزل بها بعد ذلك الفينيقيون؛ إذ استعمرت قرطاجنة بعض جهاتها. وكان ذلك قبل الميلاد بقرون، وكان هذا الاستعمار سببًا في أن تنبهت لها روما؛ فلما وقعت بينها وبين قرطاجنة الحرب المعروفة رأيناها تعمد إلى هذه البلاد تستولي عليها في أوائل القرن الثالث الميلادي وتسميها إسبانيا اسمها المعروف. ومنذ الوقت أصبحت إسبانيا ولاية رومانية، وكان لروما تأثير واسع فيها فرأيناها تتخذ اللاتينية لغة لها كما تتخذ المسيحية دينها بحيث لا يفد عليها العرب حتى تكون كثرة أهلها من المسيحيين.
وليست هذه الأحداث هي كل ما مر بالأندلس قبل الفتح العربي؛ فقد لقيت أحداثًا أخرى لعلها أكثر عنفًا من الأحداث السابقة ونقصد غارات "الفندال" عليها من الشمال وقد نزلوا بها وأسسوا على نهر الوادي الكبير مملكة سموها باسمهم "مملكة الفندال" ومنها أخذت كلمة "فندلس" التي نطق بها العرب "أندلس" وسموا بها هذه البلاد. وأغار عليها بعد الفندال جماعات القوط في القرن الخامس الميلادي.
وأخيرًا فتحها العرب في أواخر القرن السابع الميلادي عام ٩٢ للهجرة، ولم يكن الجيش الفاتح عربيًّا خالصًا بل كانت كثرته من البربر، واستمر العرب والبربر جميعًا ينزلون الأندلس بعد الفتح ويستقرون بها بحيث استطاعوا أن يعرِّبوها وأن يجعلوها ولاية عربية في أول الأمر، ثم سرعان ما تصبح بعد ذهاب عبد الرحمن الداخل إليها قبل منتصف القرن الثاني للهجرة بقليل دولة عظيمة تنافس بعاصمتها قرطبة بغدادَ وما يتصل بها. على أن هذه الدولة الكبيرة لم يمضِ عليها نحو قرنين ونصف حتى رأيناها تنقسم إلى شعب وفروع كثيرة؛ فتصبح كل مدينة كبيرة فيها إمارة مستقلة بنفسها لها ملك وللملك وزراؤه وشعراؤه في هذا النظام المعروف باسم نظام ملوك الطوائف.
ولا تلبث هذه الإمارات أن تضعف تحت ضغط المسيحيين في الشمال بسبب تنابذها وتخاصمها، ويستغيث ملوكها بدولة المرابطين في المغرب،