من الحضارات القديمة التي اتصلت بها سواء الحضارة الفينيقية أو الحضارة الرومانية.
ونحن لا نبالغ إذا قلنا بأن شخصية الأندلس في الأدب العربي ليست من القوة كما ينبغي؛ وخاصة إذا أهملنا جانب البيئة، فمما لا شك فيه أن هذا الجانب أثَّر أثرًا واضحًا في طبيعة الأدب الأندلسي شعره ونثره. غير أننا إذا تركنا هذا الجانب لم نكد نجد شيئًا آخر؛ فقد كانت الكتلة الأندلسية تنساق نحو تقليد المشرق بكل ما فيه، وحتى شعر الطبيعة عندهم لم يأتوا فيه بجديد سوى الكثرة، أما بعد ذلك فصورته كله بما فيها من أفكار وأخيلة وأساليب هي الصورة المشرقية. ونحن لا نغلو إذا قلنا: إن الأدب الأندلسي مدين في نهضته للتراث العربي العام، وهو تراث كان مشتركًا بين الأقاليم العربية كلها لا يختص به إقليم دون إقليم، وكأني بالأندلس لم تجد من الوقت ما تتعمق به الثقافة الرومانية التي تثقفتها قديْمًا على الرغم من اتخاذها اللاتينية، فلما جاء العرب لم يجدوها تحرز تراثًا لاتينيًّا واسعًا تستطيع أن تحتفظ به لنفسها وتدمجه في التراث العربي العام. وما أراني أبعد إذا قلت إن الأندلس كانت تستمد نهضتها وحياتها من بغداد شأنها في ذلك شأن الأقاليم الأخرى. وكان يمكن أن يقوم بينها وبين المشرق فوارق وحواجز لو أنها بدأت حياة عقلية مستقلة عن حياة المشرق تعتمد على ترجمة ما تعرفه من آثار لاتينية؛ غير أنها لم تتجه هذه الوجهة، بل غرقت إلى آذانها في الثقافة العربية العامة التي نهضت بها بغداد، وآية ذلك أنها لم تقم بها حركة ترجمة كالتي قامت في بغداد فقد كانت تقرأ الثقافات الأجنبية فيما يأتيها من هناك.
وإن الإنسان ليخيل إليه أن الأندلس كانت تقلد المشرق في جميع جوانب الحياة، كما كان الشأن في "أميركا" الحديثة حين هاجر أهلها من أوربا؛ فإنهم ظلوا يستمدون من قارتهم القديمة ما شكَّلوا به حياتهم وعلمهم وفنهم. وهذا نفسه ما حدث بالأندلس؛ فقد سمى العرب هناك بعض البلدان التي نزلوها بأسماء بلدان المشرق، على نحو ما صنع الأوربيون حين نزلوا في أمريكا، فكما سمى