بغرناطة، والذي يشغل مكانة خاصة ممتازة بين المخلدات الأندلسية- تتصل بتقاليد الفن الإسلامي العام، وبالأخص فن ما بين النهرين أكثر منها بالتقاليد الإسبانية والإفريقية١.
أما الحياة العقلية؛ فقد كان التأثر فيها بالمشرق بينًا واضحًا، وقد تتبع صاحب نفح الطيب في ثبتين طويلين من رحلوا من الأندلس إلى المشرق للتزود بالعلم ومن رحلوا من المشرق إلى الأندلس طلبًا للثروة أو للمجد العلمي والشهرة، وأقبل الأندلسيون على هؤلاء العلماء الوافدين عليهم يأخذون عنهم ويتعلمون، كما نرى في حياة أبي على القالي وأماليه التي أملاها هناك. وكنت الأندلس بطيئة -على ما يظهر- في تلقي الحياة العقلية من المشرق لكثرة ما كان فيها من فتن وخصومات.
والحق أن الأندلس أبطأت في حركتها العقلية، وإنه لينبغي أن نحترس من هذا الفصل الذي عقده "صاعد" في كتابه طبقات الأمم، يستعرض فيه العلم في الأندلس، ويذكر أسماء جماعة كانوا في القرن الرابع كأبي عبيد البلنسي؛ فإن هؤلاء لم يكونوا علماء بالمعنى الدقيق لهذه الكلمة؛ إنما كانوا مثقفين بالثقافة العربية العامة التي لم تكن تتجاوز عندهم شيئًا من الرياضيات والطبيعيات وبعض المعارف الطبية. وأسرعت الأندلس إلى الاهتمام بالثقافة الدينية، بل كادت أن لا تشغل نفسها بشيء سواها، يقول صاحب نفح الطيب:"وقراءة القرآن بالسبع، ورواية الحديث عندهم رفيعة، وللفقه رونق ووجاهة ولا مذهب لهم إلا مذهب مالك". ويقول: "كل العلوم لها عندهم حظ إلا الفلسفة والتنجيم، فإنه كلما قيل فلان يقرأ الفلسفة أو يشتغل بالتنجيم أطلقت عليه العامة اسم زنديق، وقيدت عليه أنفاسه فإن زلَّ في شبهة رجموه بالحجارة أو حرقوه قبل أن يصل أمره للسلطان، أو يقتله السلطان تقربًا للعامة، وكثيرًا ما يأمر ملوكهم بإحراق كتب هذا الشأن إذا وجدت، وبذلك تقرب المنصور
١ الحضارة الإسلامية: تأليف بارتولد "نشر دار المعارف" ص٦١.