للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

الفرس، وكانتا تغنيان الناس١، وفي الأغاني: أنه لما نصح أبو سفيان لقريش أن يرجعوا في غزوة بدر قال أبو جهل: والله لا نرجع حتى نرى بدرًا فنقيم عليه ثلاثًا وننحر الجزر ونطعم الطعام ونُسقى الخمور وتَعزِفُ علينا القيان وتسمع بنا العرب٢. وفي السيرة النبوية أن النبي -صلى الله عليه وسلم- أمر يوم فتح مكة بقتل شخص يسمى ابن خَطل كان مسلمًا ثم ارتدَّ وفر إلى مكة وكانت له قينتان تغنيانه بهجاء النبي، تسمَّى إحداهما فَرْتنى، وقد أمر النبي بقتلهما، ففرت إحداهما وقتلت الأخرى٣. وفي أخبار امرئ القيس أنه لما طرده أبوه: "كان يسير مع جماعة من شذاذ العرب؛ فإذا صادف غديرًا أو روضة أو موضع صيد قام فذبح لمن معه في كل يوم وخرج إلى الصيد فتصيد، ثم عاد فأكل وأكلوا معه، وشرب الخمر، وسقاهم، وغنته قيانه"٤.

الرقص

ليس من شك في أن هذه الموجة الواسعة من الجوقات والقينات هي التي مهدت لأن يتعقد الغناء على هذه الصورة التي يصفها إسحاق الموصلي إذا يقول: "وغناء العرب قديمًا على ثلاثة أوجه النصب والسناد والهزج؛ فأما النصب فغناء الركبان والفتيان وهو الذي يستعمل في المراثي، وكله يخرج من أصل الطويل في العروض؛ وأما السناد فالثقيل ذو الترجيع الكثير النغمات والنبرات؛ وأما الهزج فالخفيف الذي يرقص عليه ويُمْشَى بالدف والمزمار فَيُطرب ويستخف الحليم ... هذا كان غناء العرب قديمًا حتى جاء الله بالإسلام وفتحت العراق وجلب الغناء الرقيق من فارس والروم وتغنوا الغناء المجزأ المؤلف بالفارسية والرومية وغنوا جميعًا بالعيدان والطنابير والمعازف والمزامير"٥، ونرى من هذا النص أن الغناء تعقد عند العرب في العصر الجاهلي؛ لا برقية إلى هذه الفنون التي ذكرها إسحاق فقط، بل أيضًا لما كان يقترن به من هذا الرقص الذي كان يَصْحَبُ


١ أغاني دار الكتب ٨/ ٣٢٧.
٢ أغاني دار الكتب ٤/ ١٨٣.
٣ السيرة النبوية لابن هشام "طبعة الحلبي" ٤/ ٥٢.
٤ أغاني دار الكتب ٩/ ٨٧.
٥ العمدة لابن رشيق ٢/ ٢٤١.

<<  <   >  >>