للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

حسابات الخلق في الآخرة١.

والحق أن العصر الفاطمي يفتح في تاريخ مصر صفحة جديدة، وهي صفحة زاهية بما تصوره من ألوان الثراء والبذخ وما ينطوي في ذلك من ترف ونعيم، ولذلك لم يكن عجبًا أن يزورها المقدسي في أواخر القرن الرابع الهجري فيقول عنها "هي الإقليم الذي افتخر به فرعون على الورى، أحد جناحي الدنيا، ومفاخره لا تحصى، مصره قبة الإسلام، ونهره أجل الأنهار، وبخيراته تغمر الحجاز، وبأهله يبهج موسم الحاج، وبُرُّهُ يعم الشرق والغرب، قد وضعه الله بين البحرين، وأعلى ذكره في الخافقين، حسبك أن الشام -على جلالتها-رُسْتاقة، والحجاز مع أهلها عياله"٢. واستتبع هذا المركز لمصر وما كانت فيه من نعيم وثراء في أثناء هذا العصر أن انبعث فيها نهضة أدبية في الشعر كادت أن تتفوق بها على ما كان بالأندلس وغيرها من الأقاليم، وساعد على ذلك أن الفاطميين بذلوا للشعراء كل ما يستطيعون من جوائز ومكافآت. روى المقريزي في أثناء كلامه على بركة الحبش أنه "كان بها طاقات، وعليها صور الشعراء، كل شاعر واسمه وبلده، وعلى جانب كل من هذه الطاقات قطعة من القماش كتب عليها قطعة من شعر الشاعر في المدح وعلى الجانب الآخر رفٌّ لطيف مذهّب، فلما دخل الخليفة الآمر "٤٩٥- ٥٢٤" وقرأ الأشعار أمر أن توضع على كل رفٍّ صرَّة مختومة فيها خمسون دينارًا، وأن يدخل كل شاعر ويأخذ صرته بيده"٣. ونجد الشعراء في كل مكان وزمان من العصر الفاطمي وقد كثروا كثرة مفرطة، حتى قالوا إنه لما مات يعقوب بن كلس في القرن الرابع رثاه مائة شاعر، ونجد في الخريدة مجموعة من الشعراء تتخصص ببني رزَّيك، كما نجد كثيرين آخرين يمدحون الملوك والخلفاء من مثل طلائع الآمري المنسوب


١ خطط المقريزي ١/ ٤٩٦.
٢ أحسن التقاسيم في معرفة الأقاليم "طبع ليدن" ص١٣٩.
٣ خطط المقريزي ١/ ٤٨٦.

<<  <   >  >>