للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

خريدته، يقول في ترجمة شاعر يسمى ابن الضيف: "كان من دعاة الأدعياء والغلاة لهم في الولاء، وكان في حدود سنة خمسمائة في عهد آمرهم، وله فيه مدائح كثيرة، لدواعي المنائح مثيرة، وقع إلىّ ديوانه بخطه، وكنت عازمًا لفرط غلوه على حطه؛ لأنه أساء شرعًا، وإن أحسن شعرًا، بل أظهر كفرًا، لكنني لم أترك كتابي منه صفرًا "١. وساق له قطعة صغيرة من شعره، ولم يقف صاحب الخريدة بإهماله لهذا الجانب عند الشعراء المفرطين في تشيعهم، بل تعداهم إلى غيرهم من مثل ظافر الحداد المتوفى عام ٥٢٩ للهجرة، يقول في ترجمته: "ظافر بحظه من الفضل ظافر، يدل نظمه على أن أدبه وافر، وشعره بوجه الرقة والسلاسة سافر، وما أكمله لولا أنه من مدَّاح المصري والله له غافر"٢. ومع ذلك ساق العماد بعض قطع لهؤلاء الشعراء وغيرهم، تصوِّر غلوهم في المديح على نحو ما رأينا عند الشريف ابن الأخفش كما ساق طرفًا من القصائد التي قيلت في معارك الصليبيين في أثناء العصر الفاطمي.

والحق أن الخريدة تمثل لنا شخصية مصر تمام التمثيل إذا نحن أغضينا النظر عن مدائح الفاطميين، بل إن هذه المدائح نفسها صورت في الخريدة إلى حد ما. ونحن في الواقع نغفل مصر لا بإغفالنا للخريدة ونحوها من الكتب المخطوطة وعدم عنايتنا بقراءتها فضلا عن نشرها، بل نحن نغفلها ولا نقرؤها حتى في الكتب المطبوعة، وكذلك الشأن في دواوين شعرائها لا نقرؤها ولا ننشرها نشرة علمية صحيحة. وإن أي شخص يعنى بمصر ويقرؤها في مراجعها يجدها تملك عليه نفسه، فقد عبَّرت خير تعبير عن شخصيتها، وماذا تريد من شعرائها؟ أتريد تصويرهم لبيئتهم وما فيها من جنات وزروع؟ لقد بلغوا من ذلك كل مبلغ،


١ الخريدة ١/ ٢٨٥. ويقول العماد: إنه كان يقلد ابن هانئ، ويقول ابن سعيد: "إنه كثير المعارضة لطريقة ابن هانئ الأندلسي في الغلو وصقل الألفاظ وقعقعتها".
٢ الخريدة ٢/ ٣.

<<  <   >  >>