للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

رُزِقَت مَرابيعَ النُجومِ وَصابَها ... وَدقُ الرَواعِدِ جَودُها فَرِهامُها١

مِن كُلِّ سارِيَةٍ وَغادٍ مُدجِنٍ ... وَعَشيَّةٍ مُتَجاوِبٍ إِرزامُها٢

فَعَلا فُروعُ الأَيهُقانِ وَأَطفَلَت ... بِالجَهلَتَينِ ظِبائُها وَنَعامُها٣

ونلاحظ أنه شاكل في أحوال كثيرة بين الكلمتين الأخيرتين في البيت كأنه يجعل له قافيتين "قافية داخلية" و "قافية خارجية". ولم يدفعه إلى ذلك إلا أنه يريد أن يرتفع بالصوت في مقطعين متقاربين، وهو لذلك يخرجه هذا الإخراج المنظم المقطع تقطيعًا صوتيًّا دقيقًا. وكثر هذا "التقطيع الصوتي" في الشعر القديم؛ فمن ذلك قول امرئ القيس يصف فرسه في معلقته:

مِكَرٍّ مِفَرٍّ مُقبِلٍ مُدبِرٍ مَعًا ... كَجُلمودِ صَخرٍ حَطَّهُ السَيلُ مِن عَلِ

ويقول طرفة في مطولته:

بَطيء عَنِ الجُلَّى سَريعٍ إِلى الخَنا ... ذَليل بِإجماعِ الرِجالِ مُلَهَّدِ٤

وروى قدامة في "نقد الشعر" كثيرًا من مثل هذه الأبيات التي تنثر في الشعر القديم نثرًا٥، والتي لا شك في أن الغناء هو الذي دفع إلى صنعها حتى يوفروا للشعر قيمًا صوتية تساعد على تلحينه والترنم به.

على أن موسيقى الشعر الجاهلي تأثرت بالغناء من طريق آخر هو طريق الرُّقُم الموسيقية "MUSICAL NOTES" ما حدث فيها من تعديل وتجزئة. وهو جانب يمكن أن يعتبر مقدمة لما سنراه يحدث في أثناء العصر الإسلامي في أوزان الشعر ورُقُمه الموسيقية من انحرافات، وقد يكون من الغريب أن نرى أبا العلاء يذهب إلى أن جمهور أشعار الجاهلية يأتي من الطويل والبسيط، وما يليهما من الوافر والكامل ثم يقول: "أما الأوزان القصار فإنما عرفت في العصر الإسلامي


١ مرابيع النجوم: أوائل الأمطار، وصابها: مطرها وجادها، الودق: المطر. والجود: الغزير، والرهام: القليل والنزر.
٢ السارية: السحابة تسير بالليل، والغادي: السحاب يسير بالغداة. ومدجن: مظلم، الإرزام: صوت الرعد.
٣ الأيهقان: نبت، أطفلت: أصبحت ذات أطفال. الجلهتين: موضع.
٤ الجلي: الأمر العظيم. الخنا: الفحش. ملهد: مدفوع.
٥ نقد الشعر: لقدامة، طبع مصر ص٢٤.

<<  <   >  >>