للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

والكتاب والشعراء من مدحه، وانظر إلى العماد الأصبهاني يقول فيه: "رب القلم والبيان واللَّسن واللسان، والقريحة الوقَّادة، والبصيرة النقادة، والبديهة المعجزة، والبديعة المطرزة، والفضل الذي ما سمع في الأوائل ممن لو عاش في زمانه لتعلق بغباره، أو جرى في مضماره فهو كالشريعة المحمدية التي نسخت الشرائع، ورسخت بها الصنائع"١. وليس من شك في أن تمجيد صاحب الخريدة هو الذي جعل صلاح الدين الصفدي وابن حجة الحموي يقعان في خطئهما ويظنان أن القاضي الفاضل هو الذي استحدث التورية! ونحن نتساءل ما هي الشريعة التي يشير إليها العماد؛ فإن من يرجع إلى ديوان القاضي الفاضل٢ لا يجد فيه إلا شاعرًا من الطبقة الثانية، ومن الصعب أن نقرنه إلى الشعراء الممتازين في العصر الفاطمي لا من حيث روحه وقلة الدُّعابة عنده، بل من حيث شعره العام؛ إذ نرى فيه آثار التكلف والتلفيق واضحة كقوله في القصيدة الأولى من ديوانه يصف بلاغته:

ولي قلمٌ منه عينُ الكلا ... م يجري فتنظرُ عينَ الكمالِ

يراعٌ تظل رياضُ الطرو ... س منها موشحة بالصلال٣

وكتبٌ يفيضُ بأرجائها ... يمين الْجَدَا ولسان الجدالِ

تقدَّمها الشكلُ من فوقها ... كمثل السهامِ أمام النِّصالِ

وكم بريت وانبرت للعدوِّ ... كوثب الشرارِ وهدِّ الجبالِ

وَكَم قد كَسَبنَ عَواري ظُبًا ... وَكَم قد سَلَبنَ عَواري عَوالي

يكلِّلُ أفلاكَ قرْطاسِها ... شموسٌ شوامسُ عند الزوالِ

فهل تجد في هذا الشعر روحًا أو جمالًا سوى هذا التلفيق للجناس، وكان يتصنع له كثيرًا كما كان يتصنع لضروب الطباق والتصوير الأخرى من تشخيص وغير تشخيص، وأيضًا فإنه كان يتصنع لاصطلاحات العلوم كقوله٥:


١ الخريدة ١/ ٣٥.
٢ انظر ديوان القاضي الفاضل "نسخة فوتوغرافية بدار الكتب" وقد ذكر الناسخ في آخرها أنه كتبها من نسخة كثيرة التصحيف.
٣ الصلال: جمع صل وهو الحية.
٤ العوالي: الرماح والقنا.
٥ انظر خزانة الأدب: للحموي ص٤٥٣.

<<  <   >  >>