للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

عسى الأيامُ أن يرجعْـ ... ـنَ قومًا كالذي كانوا

وتستمر المقطوعة على هذا الطراز القصير.

وأما الحداء فيظهر أنه كان غناء شعبيًّا عامًّا للعرب في العصر الجاهلي يغنون به إبلهم في مسيرهم ورحيلهم، واقترن به وزن خاص معروف هو وزن الرجز، ونحن نلاحظ أن هذا الوزن لم يكن خاصًّا بالحداء؛ بل كان يستخدم أيضًا في السَّقْي من الآبار، كما كان يستخدم في الحماسة والحروب، وجعله ذلك الاستخدام الواسع ينفصل من بقية الأوزان القديمة بضروب كثيرة من التجزئة والتعديل في صورة "رقيمه الموسيقى" لعل أهمها المشطور والمنهوك، أما المشطور فهو الذي بني على شطر واحد، وأما المنهوك فهو الذي ذهب منه أربعة أجزاء، ومن أمثلته قول دريد بن الصمة يوم هوازن١:

يا ليتني فيها جذعْ ... أَخُبُّ فيها وأَضَعْ

ولعل هذا الجانب من التعديل في الرجز وما أصابه من كثرة "التحريف" حتى خرج كثير من أمثلته عن أن يُضْبَطَ ويعيَّن بوزن خاص هو الذي دفع الخليل إلى أن يرفضه فلا يعده من الشعر٢. وليس من شك في أنه شعر، وغاية ما في الأمر أنه كان يقترن بضروب كثيرة من الغناء في الحماسة والحروب والسقي من الآبار، كما كان يقترن بالْحُداء، فكثر الحذف فيه وكثرت التجزئة والاضطراب.

ومهما يكن فإن الشعر الجاهلي نشأ في ظروف غنائية، وتركت هذه الظروف آثارًا مختلفة فيه، بعضها نراه في قوافيه وتقطيعاته وبعضها نراه في تلك الأوزان القصار التي أثرتْ عن العصر الجاهلي، والتي ليس من شك في أنها ظهرت تحت تأثير الغناء.


١ أغاني "دار الكتب" ١٠/ ٣١.
والجذع: الشاب من الإبل. والخبب والوضع: ضربان من السير.
٢ انظر باب الرجز في العمدة لابن رشيق.

<<  <   >  >>