للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ما كانت تملؤه به من سرور وغبطة حين كان يشرب على غنائها مع رفاقه، كما يصف ولعه بها وهُيامه من مثل قوله١:

أمسى مطيعٌ كَلِفَا ... صَبًّا حزينًا دَنِفَا٢

يا ريمُ فاشْفِي كبدا ... حَرَّى وقلبا شُغِفَا٣

ونَوِّلِينِي قُبْلَةً ... واحدةً ثُمَّ كَفَى

وفي أخباره أنه كان يكثر من الاختلاف إلى "بربر" وجواريها، وكانت دارها مألفًا له ولأمثاله من شعراء الكوفة الماجنين، وكان يهوى من جواريها جوهر، ومما غُنِّي له فيها قوله٤:

وخافي الله يا بربر ... لقد أفسدت ذا العسكر

إذا ما أقبلت جوهر ... يفوح المسك والعنبر

وجوهرُ درَّة الغوا ... ص من يملكها يحبر٥

لها ثغر حكى الدُّرَّ ... وعينا رشأ أحور٦

وبيعت جوهر وفارقت الكوفة فبكاها بكاء مرًّا.

والقطع الثلاث الأولي من وزن المجتث، وكأنه هو الذي أخذه عن الوليد بن يزيد وأشاعه بين شعراء العصر. وتشيع عنده الأوزان المجزوءة والخفيفة، وهو يتقدم بشارًا خطوة في هذا الاتجاه نحو تعميم الألحان اليسيرة والانفصال عن إطار الشعر القديم الذي يعني بضخامة الوزن وجزالة اللفظ؛ فألفاظه سهلة لينة تقترب من لغة الحديث العادي في كثير من صورها. وهو لا يقف بها عند مثل هذا القول الرقيق؛ إذ يعبر بها عن عبثه ومجونه. وتبعه شعراء الكوفة في هذا كله على نحو ما نجد عند والبة بن الحباب وخرِّيجه أبي نواس.


١ أغاني ١٣/ ٣٠١.
٢ كلفا: مغرمًا، دنفًا: مريضًا.
٣ حرى: ظامئة.
٤ أغاني ١٣/ ٣١٣.
٥ يحبر: من الحبور وهو السرور.
٦ الرشأ: الظبي، وأحور: من الحور، وهو شدة سواد العين وبياض بياضها.

<<  <   >  >>