للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

فيا ليت حَظِّي إذا ما أسأ ... ت أنك ترضى ولا تغضب

وقوله١:

إن قال لم يفعل وإن سِيل لم ... يبذل وإن عوتب لم يعتب

صبٌّ بعصياني ولو قال لي ... لا تشرب البارد لم أشرب

إليك أشكو رب ما حل بي ... من صد هذا المذنب المغضب

ويقول أيضًا٢:

نام من أهدى لي الأرقا ... مستريحًا زادني قلقَا

لو يبيت الناس كلهم ... بسهادي بيض الحدقا

كان لي قلب أعيش به ... فاصطَلَى بالحب فاحترقا

أنا لم أرزق مودتكم ... إنما للعبد ما رُزِقَا

وكل هذه المقطوعات من الأصوات والأدوار التي كانت تغنى في العصر العباسي.

ومهما يكن فقد شاع هذا الشعر الغنائي بضربيه من الغزل المادي والعفيف، واستبق الشعراء فيه كل يحاول أن يأتي بالنادر الطريف. روى صاحب الأغاني"أنه اجتمع مسلم بن الوليد وأبو نواس وأبو الشِّيص ودعبل في مجلس، فقالوا: لينشد كل واحد منكم أجود ما قاله من الشعر؛ فأنشدهم أبو الشيص قوله:

وقف الهوى بي حيث أنتِ فليس لي ... متأخرٌ عنه ولا متقدَّمُ

أجد الملامة في هواك لذيذة ... حبًّا لذكرك فليلمني اللوّمُ

أشبهتِ أعدائي فصرت أحبُّهم ... إذا كان حظي منك حظي منهمُ

وأهنتني فأهنتُ نفسي صاغرًا ... ما مَنْ يهون عليك ممن يُكْرَمُ

فقال أبو نواس: أحسنت والله وجوَّدت. وفي رواية أخرى أنه قال: إني أرى نمطًا خُسْروانيًّا مذهبًا٣" وما هذا النمط إلا ذلك الشعر الغنائي الذي أخذ الشعراء يستبقون في صناعته. وروى ابن رشيق: أن أبا العتاهية وأبا نواس والحسين بن الضحاك اجتمعوا يومًا فقال أبو نواس لينشد كل واحد قصيدة لنفسه في


١ أغاني ٨/ ٣٦٥.
٢ المصدر نفسه ٨/ ٣٦٦.
٣ أغاني "ساسي" ١٥/ ١٠٥.

<<  <   >  >>