للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

يا أيها المعمود ... قد شفك الصُّدودُ

والأخرى١:

نبا به الوساد ... وامتنع الرقاد

وصنع سَلْم الخاسر أرجوزة على جزء واحد مدح بها موسى الهادي، ومما يقوله فيها:

موسى المطر ... غيثٌ بكر

عدل السير ... باقي الأثر

وهي تمضي على هذا النمط، ويقول ابن رشيق إنه أول من ابتدع ذلك في الرجز٢.

وليس هذا كل ما صنع الغناء بالشعر التقليدي؛ فقد أثر فيه من جانب آخر هو جانب "الموسيقى الداخلية" وما يستتبعه ضبطها من عناية بفنون البديع الصوتية. ولعل أهم شاعر تقليدي نجده في هذا الجانب هو البحتري؛ فقد كان يعنى بالموسيقى الداخلية عناية شديدة، حتى ليروع النقاد روعة بالغة. وحقًّا إنه ملأ آذان عصره بألحان عذبة جميلة، وعبَّر المدى عن ذلك عبارات مختلفة؛ إذ يقول في كتابه "الموازنة بين الطائيين" عن شعره: "إنه صحيح السبك، حسن الديباج، ليس فيه سفساف ولا رديء ولا مطروح"٣ ويقول عنه أيضًا: "إنه يؤثر صحة السبك وحسن العبارة وحلو اللفظ وكثرة الماء والرونق"٤. ولكن ماذا يريد الآمدي بهذه الأوصاف؟ إنه لا يذكر إلا إشارات وتلميحات، وقد شكا عبد القاهر من مثل هذه العبارات وشيوعها في النقد؛ إذ يقول: "إنك لا ترى نوعًا من أنواع العلوم إلا وإذا تأملت كلام الأولين الذين علَّموا الناس وجدت العبارة فيه أكثر من الإشارة، والتصريح أغلب من التلويح، والأمر في علم الفصاحة بالضد من هذا، فإنك إذا قرأت ما قاله العلماء فيه وجدت جله أوكله رمزًا ووحيًا وكناية وتعريضًا وإيماءً إلى الغرض من وجه لا يفطن له إلا من غلغل الفكر، وأدق النظر، ومن يرجع من طبعه إلى ألمعية يقوى


١ ديوان مسلم ص٢٤٠.
٢ انظر العمدة لابن رشيق "باب الرجز والقصيد".
٣ الموازنة "طبع الجوانب" ص٢.
٤ الموازنة ص٣.

<<  <   >  >>