أي حد استطاع البحتري أن يوفر كثيرًا من القيم الصوتية في القصيدة بطريقة قد تكون معقدة ولكنها في غاية الدقة؟ إذ أمكنه بملاءمات بين القافية وعدد حروفها ورويها وحركة رويّها وبين كلمات البيت أن ينهض بموسيقى بديعة. وهذه الملاءمة يوزعها البحتري على قصائده الأخرى في ديوانه؛ ولكنه لا يركزها في قصيدة كما ركزها في تلك القصيدة السينية فقد جمع لها كل ما يستطيعه من مهارة في استخدام فن الصوت وما وقف عليه من أسرار.
وما من شك في أن ذلك كله نشأ عند البحتري متأثرًا بموسيقى الشعر الغنائي إذ كانت هذه الموسيقى تعتمد عليها في أصواتها وأرقامها؛ وكانت هي وما ترتبط به من غناء تعين عليه، وتدعو إلى العناية به والتجديد فيه.