والثقافة مرتبطة بالحضارة ارتباطا وثيقا، ذلك لأن ثقافة كل أمة هي أساس حضارتها، فهي فكرها وحركتها وأسلوب حياتها. ولهذا فإن من حق كل أمة أن تقتبس الجانب المادي في الحضارة لأمة أخرى بوصفها أدوات ووسائل ومواد أولية، ولا تقتبس ثقافتها لأنها ذاتية وخاصة بهذه الأمة وحدها.
ومن الباحثين من فرق بين الجانب الفكري المعنوي في الحضارة وخصوه باسم الثقافة، وبين المجالات المادية النفعية التي تخدم الأغراض العملية المباشرة فآثروا أن يسموها "مدنية"، ومنها مثلا مجالات التقدم الإنساني في الزراعة والصناعة والطرق والعمارة.
وليست ثمة فائدة من هذا التفريق بين الثقافة والمدنية، لأن تصور ثقافة من غير مدنية، أو مدنية من غير ثقافة تصور نظري بعيد عن الواقع التاريخي، وأن الجانب الروحي المعنوي والجانب المادي العملي يؤثران -متضافرين- في الرقي الإنساني. اللهم إلا أن يقال: إن الجانب الديني والعلوم الإنسانية من نظم اقتصادية واجتماعية تساعد على تشكيل معالم الشخصية الذاتية لكل أمة من الأمم وليس الأمر كذلك بالنسبة للعلوم التطبيقية وللوسائل النفعية المادية.
وهناك تعريفات نوعية للثقافة يركز فيها المتخصصون على جوانب تنتمي إلى تخصصهم الدقيق، فمثلا يرى علماء الإنسان أن الثقافة باعتبارها الركن الركين في فهم الإنسان والجماعات، تمثل:"أسلوب الحياة في مجتمع ما، بما يشمله هذا الأسلوب من تفصيلات لا تحصى من السلوك الإنساني"١.
ويرى علماء الاجتماع أنه يقصد بالثقافة "النتاج الإنساني للتفاعل
١ مجلة الفيصل عدد "٢٠"، وانظر ثقافة المسلم ص ١٧ د. عبد الحليم عويس.