للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

تاريخ الاستشراق:

من الصعب أن يحدد الباحث تاريخ بدء الاستشراق، ولكن الآراء تضافرت على أن الحركة الاستشراقية قد بدأت في القرن السابع الهجري في الأندلس، حينما اشتدت حملة الصليبيين الأسبان على المسلمين في ديارهم "الأندلس" فدعا ملك قشتالة "ميشيل سكوت" ليقوم بالبحث في علوم المسلمين وحضارتهم فجمع "سكوت" عددًا من الرهبان في بعض الأديرة بالقرب من طليطلة، وبدءوا يترجمون بعض الكتب العربية إلى اللغة الأجنبية، ثم قدمت هذه الكتب إلى الملك فأمر باستنساخها وإرسال نسخها إلى جامعة باريس١. ومن أوائل الرهبان الذين درسوا في الأندلس على يد العرب الراهب الفرنسي جربرت الذي انتخب بابا لكنيسة روما عام ٩٩٩م.

وكان من المتقدمين في ترجمة الكتب العربية "ريمون لول" رئيس أساقفة طليطلة، ومن ثم انتشرت الترجمة على نطاق واسع، وكانت ترسل الكتب العربية لتدرس في جامعات أوروبا في مختلف العلوم من طب وكيمياء وفيزياء وفلسفة وغيرها من العلوم التي بلغت أوج ازدهارها في الحضارة الإسلامية، وكان الأوروبيون يستفيدون منها فائدة كبرى، وإنها لتعتبر -بحق- نواة الحضارة الأوروبية الحديثة.

ومنذ أن بدأ المستشرقون الكتابة سلكوا طرقًا خبيثة لتزييف العقيدة الإسلامية، وامتصاص ما فيها من قوة وجهاد وإيمان٢ وتصوير الإسلامية على أنه دين تعبدي فقط، وأن هناك فصلًا تامًّا بين الدين وبين الحكم وسياسة الدولة والنظم الاقتصادية التي يمكن أن تخضع لأنظمة ومبادئ مغايرة للدين..

وقد تطور الاستشراق في الأسلوب وفي المنهج، كما تطورت طرق التبشير من قبل، فعمد المستشرقون منذ مطلع القرن الثالث عشر الهجري "أواخر القرن الثامن عشر الميلادي" إلى الدعوة لإنشاء كليات لتدريس اللغات الشرقية في عواصم البلاد الأوربية، وفعلًا فقد أنشئت كليات لتدريس اللغات الشرقية في


١ أساليب الغزو الفكري د. على محمد جريشة وزميله: ص١٩.
٢ الإسلام في وجه التغريب للأستاذ أنور الجندي: ص٧، ٨.

<<  <   >  >>