إن أصول الثقافة الإسلامية حقائق كلية كبرى صالحة للتطبيق في كل زمان ومكان وهي غير قابلة للتغيير، وأي دعوة تدعو إلى تغيير ولو حرف واحد منها هي دعوة باطلة مضلة، يجب القضاء عليها في مهدها، ذلك لأن هذه الأصول إنما هي كتاب الله وسنة رسوله، وما فيها من قواعد وأحكام واضحة صريحة وفي تنفيذها على النحو الذي أراده الله تحقيق لمصلحة العباد. ويتفرع عن هذه الأسس والأصول مسائل معاشية وتطبيقات سلوكية في مجالات الاجتماع والاقتصاد والسياسة، وهذه المسائل يمكن أن تتخذ أشكالا مختلفة في التطبيق، وأذكر مثالا توضيحيا على ذلك "الشورى" في الإسلام وهي من المبادئ الثابتة شرعا والمقررة في نصوص القرآن الكريم، وفي تطبيق هذا المبدأ التزام لأمر الله، ولكن أسلوب التطبيق وكيفية التنفيذ يمكن أن يختلف باختلاف الأزمان والبيئات والأعراف ذلك لأننا لا نجد نصا ملزما يبيِّن أسلوبا معينا في تنفيذ قاعدة الشورى، والذي يحدد هذا الأسلوب حسب مقتضيات العصر هو الفكر الإسلامي، أو الثقافة الإسلامية.
وعلى هذا فالثقافة الإسلامية يمكن أن تقوم بدور تطوير الأساليب والوسائل لتطبيق الأحكام الشرعية، والقواعد الثابتة التي لا تختلف باختلاف العصر والمجتمع.. وأذكر مثالا آخر يبيِّن دور الثقافة في تطوير المناهج والطرق "الربا" فإنه محرم شرعا ولعن الله المتعاملين به وكاتبه وشاهديه، وعلى هذا فكل مؤسسة وكل بنك يقوم على أساس التعامل بالربا يعتبر محرما، ولا يجوز لدولة إسلامية أن تسمح لإقامة البنوك الربوية في أرضها وديارها، ولكن هناك نظام آخر مصرفي يقوم على غير الربا كالمؤسسات المصرفية الإسلامية والتي تسمى "البنوك اللا ربوية"، ويأتي دور الثقافة الإسلامية هنا في غاية الأهمية، فهي التي تبيِّن الأسس العامة، لإنشاء مثل هذه المصارف الإسلامية، وهي التي تحدد الخدمات