إن دراسة أي علم من العلوم يؤثر في ترقية مشاعر الفرد ونمو مداركه وتفتح أحاسيسه، وتنبه مواهبه وانطلاق طاقاته، وصقل ميوله وازدياد حركته ونشاطه، كما يؤثر أيضا في إحداث تفاعل ذاتي في داخل نفس الفرد، وقد يتخذه قاعدة يبني عليها معارف جديدة، أو ينطلق منه إلى آفاق بعيدة. وقد يؤدي به إلى اكتشاق حقائق علمية مجهولة. وبهذا تتسع دائرة المعارف الإنسانية وتزداد العلوم دقة وعمقا وعطاء وإنتاجا.. وبقدر ما تكون الدراسة دقيقة وعميقة وبقدر ما يكون البحث وافيا شاملا بقدر ما تعم الفائدة من العلم والبحث.. فكيف إذا كانت الدراسة تتعلق بكيان الفرد وبشخصيته الإسلامية، وبماضيه المجيد، وبتراثه العظيم وبالأسباب والعوامل التي تربط بين تاريخه وواقعه ومستقبله، وبالظروف التي أحاطت بتلك الشخصية عبر قرون عديدة من الزمن..
إن المسلم الذي يدرس ثقافته دراسة واعية ناضجة يشعر بأنه ليس كيانا مستقلا ولا فردا قائما بذاته يعيش حقبة من الزمن ثم يعتريه الموت والبلى، كلا، وإنما هو لبنة مهمة مؤثرة فاعلة في بنيان ضخم امتد قرونا طويلة وسيمتد إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها.. وهو بهذا الشعور، وبهذا الإحساس يستطيع أن يضيف إلى ما عمله السابقون ويستطيع أن يمثل الشخصية الإسلامية في عالم الضمير وفي واقع حياته الخاصة وفي واقع مجتمعه، ويستطيع أيضا أن يوصل الأمانة إلى من بعده، ويمدهم بمعارف جمة وحقائق علمية ثابتة، ويمهد لهم سبيل الاستمرار في تشييد النهضة العظيمة.
إن المسلم ليس فردا مستقلا يعيش من أجل هواه النفسي ومأربه الشخصي