ليس التعليم وحده قادرًا على أن يصيغ الرجال صوغًا معينًا، وإنما هناك مصنع آخر له نفس القدرة إن لم أقل تربو عنها.. هذا المصنع تتعدد ألوانه وتختلف أشكاله ويزداد أثره ويكثر انتشاره ويعيش مع الأفراد والجماعات والرجال والنساء والشبان والشيوخ والأطفال والكبار والجهلة والمتعلمين.. إن هذا المصنع الضخم ذا الحياة الدافقة، والحركة الدائبة هو "الإعلام" على تعدد وسائله.. من صحافة و"راديو" و"تليفزيون". إن هذا المصنع وسيلة مهمة وله دور خطير في الحياة، فقد يخدم الخير ويكون وسيلة للنطق بالحق ولسماع الحق، وقد يكون وسيلة شر يستخدم أداة للباطل، يقف إلى جانبه، ويعلي صوته، ويسمع كل الآذان، ويضلل الأفكار، ويشوه الحقائق..
وقد فطن العدو الماكر إلى أهمية الإعلام فاستغله على أوسع نطاق، ويلاحظ المستشرق "جب" أن النشاط التعليمي والثقافي "عن طريق المدارس العصرية والصحافة" قد ترك في المسلمين أثرًا جعلهم يبدون في مظهرهم العام لا دينيين إلى حد بعيد، ثم يعقب على ذلك بقوله: وذلك خاصة هو اللب المثمر في كل ما تركت محاولات الغرب لحمل العالم الإسلامي على حضارته من آثار. ثم يقول: الواقع أن الإسلام بوصفه عقيدة لم يفقد إلا قليلًا من قوته وسلطانه، ولكن الإسلام بوصفه قوة مسيطرة على الحياة الاجتماعية قد فقد مكانته، فهناك مؤثرات أخرى تعمل إلى جانبه، وهي في كثير من الأحيان تتعارض مع تقاليده وتعاليمه تعارضًا صريحًا. ولكنها تشق طريقها، بالرغم من ذلك إلى المجتمع الإسلامي في قوة وعزم..
فإلى عهد قريب، لم يكن للمسلم من عامة الناس، أي اتجاه سياسي، ولم