للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

تبارك وتعالى. وتناقل المسلمون القرآن كتابة من المصحف المدون الذي جمع في عهد أبي بكر ثم في عهد عثمان، وتلقوه من الحفاظ جيلًا عن جيل، وما اختلف المكتوب منه والمحفوظ، ولا اختلف في لفظة واحدة على اتساع رقعة البلاد الإسلامية واختلاف الشعوب لونًا ولهجة وبيئة.

وهذا هو سر القرآن العظيم وهذا هو إعجازه البليغ، وتصديق لقول الله تبارك وتعالى: {إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ} ١.

أما من جهة الدلالة فهناك نصوص قطعية الدلالة وهي ما تعين المراد منها دون أن تحتمل تأويلًا مغايرًا أو فهمًا مخالفًا مثل قول الله تعالى: {وَلَكُمْ نِصْفُ مَا تَرَكَ أَزْوَاجُكُمْ إِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُنَّ وَلَدٌ} ٢.

فهذا قطعي الدلالة على أن فرض الزوج في هذه الحالة النصف لا غير.. ومثل قوله تعالى: {الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِائَةَ جَلْدَةٍ} ٣.

فهذا النص قطعي الدلالة على أن حد الزنا مائة جلدة لا أكثر ولا أقل.

ومثل هذا كل نص دل على فرض مقدر في الإرث، أو حد معين في العقوبة، أو نصاب محدد.

وهناك نصوص ظنية الدلالة وهي ما دلت على معنى مع احتمال التأويل، وصرفه إلى معنى مغاير للمعنى الأول، مثل قول الله تعالى: {وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنفُسِهِنَّ ثَلاثَةَ قُرُوءٍ} ٤, فلفظ قرء في اللغة العربية مشترك بين معنيين، فهو يطلق على الطهر ويطلق على الحيض، والنص دل على أن المطلقات يتربصن ثلاثة قروء، فيحتمل أن يراد ثلاثة أطهار، ويحتمل أن يراد ثلاثة حيضات. فالنص هنا ليس بقطعي الدلالة على معنى واحد بل هو ظني الدلالة لقيام احتمال المعنيين. ولهذا اختلف المجتهدون في عدة المطلقة ذات القرء: أهي ثلاث حيضات أم هي ثلاثة أطهار؟


١ سورة الحجر: ٩.
٢ سورة النساء: ١٢.
٣ سورة النور: ٢.
٤ سورة البقرة: ٢٢٨.

<<  <   >  >>