للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

بلادهم، وامتلاك منابع الثروة الطبيعية في أوطانهم ... والدليل على ما نقول: اشتراك رجال الكنيسة من القسيسين والرهبان في هذه الحروب اشتراكًا فعالًا، وحماستهم الشديدة لإثارة روح الحقد والنقمة ضد المسلمين، واستماتتهم في سبيل رفع يد المسلمين عن البلاد التي دانت لهم، ودخل أهلها في دين الله طائعين راغبين. وقد كانوا يفصحون عن نواياهم الخبيثة في إبعاد سلطان المسلمين عن الأقطار المفتوحة، وبسط سلطة الكاثوليك. ولم يمنعهم الحياء والأدب وحسن المعاملة التي لمسوها من المسلمين أن يعبروا عن لؤمهم الخبيث، ويعلنوا عن إرادتهم في استئصال شأفة أمة محمد "قاتلهم الله أنى يؤفكون".

يذكر التاريخ أن الحملة الصليبية* عند دخولها بيت المقدس في ١٥ يوليو عام ١٠٩٩م الموافق ٣ رمضان عام ٤٩٣هـ. قد ذبحت أكثر من سبعين ألف مسلم حتى سبحت الخيل إلى صدورها في الدماء. وفي أنطاكية قتلوا أكثر من مائة ألف مسلم١.

فالأمر إذن جد خطير، إنه حقد الشر على الحق، والرذيلة على الفضيلة، وعداوة الشرك للتوحيد، وخصومة الضلال للهدى.

وقد صمدت الأمة الإسلامية في وجه هذه الحروب الوحشية التي سلبت ونهبت، وقتلت وفتكت، وتيقظ الإيمان في قلوب المسلمين، واتقدت شعلة الحماسة الدينية في نفوسهم، وتجلت البطولة في أسمى صورها، فإما حياة


* الحروب الصليبية: لقد بدأت الحروب الصليبية منذ منتصف القرن الحادي عشر واستمرت حتى نهاية القرن الثالث أي ما يقرب من مائتين وخمسة وعشرين عامًا. في ثماني حملات من الحملات المدججة بالعدد والمعدات.
ويصف كاهن مدينة لوبوي ريموند داجيل سلوك الصليبيين حينما دخلوا على القدس فيقول:
حدث ما هو عجيب بين العرب عندما استولى قومنا على أسوار القدس وبروجها، فقطعت رءوس بعضهم فكان هذا أقل ما أصابهم، وبقرت بطون بعضهم فكانوا يضطرون إلى القذف بأنفسهم من أعلى الأسوار، وحرق بعضهم في النار فكان ذلك بعد عذاب طويل، وكان لا يرى في شوارع القدس وميادينها سوى أكداس من رءوس العرب وأيديهم وأرجلهم، فلا يمر المرء إلا على جثث قتلاهم، ولكن كل هذا لم يكن سوى بعض ما نالوه. "حضارة العرب د. غوستاف لوبون ترجمة عادل زعيتر، ط/ الثانية عام ١٩٤٨ ص٤٠٢".
وروى الكاهن نفسه خبر ذبح عشرة آلاف مسلم في مسجد عمر -رضي الله تعالى عنه- فقال:
"لقد أفرط قومنا في سفك الدماء في هيكل سليمان فكانت جثث القتلى تعوم في الساحة هنا وهناك، وكانت الأيدي والأذرع المبتورة تسبح كأنها تريد أن تتصل بجثث غريبة عنها فإذا ما اتصلت ذراع بجسم لم يعرف أصلها، وكان الجنود الذين أحدثوا تلك الملحمة لا يطيقون رائحة البخار المنبعثة من ذلك إلا بمشقة".
١ حاضر العالم الإسلامي تأليف لوثروب ستودارد ترجمة نويهض. ج١ ص٦٠.

<<  <   >  >>