للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وكان من نتيجة الثقافة الغربية أن جعلت البشرية تسير على غير هدى، تتخبط في تصوراتها وفي أنظمتها، وأوضاعها وتقاليدها..

وكان من نتائجها أيضا أنها قضت على المثل العليا، والقيم السامية في النفس الإنسانية. وبددت الإحساس بالخلق الكريم والمعنى النبيل من أجل تحقيق أكبر قدر من الربح للمرابين وتجار الأهواء١.

وكان من أبرز نتائج "مبدأ التطور" الذي ترتكز عليه الثقافة الغربية أن تفلت الإنسان من كل قيمة ثابتة ومن كل مثل مرتبط بهدف ثابت، ونادى بالانطلاق والتجديد في كل شيء، من غير ضوابط أو حدود٢.

وإن مبدأ التطور الذي لا يتقيد بأي أصل ثابت ولا بأية قيمة ثابتة ليس "حقيقة علمية" وإنما هو فكرة طائشة، وهوى جامع مبعثه الأهواء النفسية والرغبات العاتية. قال الله تبارك وتعالى: {بَلْ يُرِيدُ الإِنْسَانُ لِيَفْجُرَ أَمَامَهُ} ٣.

ويقول سيد قطب: "إن دارون -وهو يقرر مذهب التطور في خط سير الحياة- لم يكن يبحث، إلا جزئية سطحية من جزئيات هذا الكون تبدأ بعد وجود الحياة. ولا تمتد إلى مصدر الحياة، ولا إلى الإرادة التي صدرت عنها الحياة، وحتى على فرض صحة نظريته، فإن خط التطور يثبت أن هناك إرادة ثابتة من ورائه، وأنه يتم وفق خط مرسوم لا مجال للمصادفة فيه. وأنه جزء من "الحركة" التي هي قانون من قوانين الكون. وحركة الكون ليست فوضى. وإنما تتم حول قاعدة "ثابتة" وتتم في إطار "ثابت".

وعلى أي حال فلم يكن لا "المنهج العلمي" ولا "الحقائق العلمية" هي التي أملت على دارون -حين لم يهتد إلى سر الحياة، ولم يستطع تعليلها علميا- أن يهرب من ردها إلى الله، ووجودها ذاته يحتم الاعتراف بموجد لها، وانتظام خط سيرها وتناسقها مع الكون يحتم الاعتراف بأن موجدها لا بد أن يكون مريدا مختارا فيما يريد، عليما خبيرا.. ولكن دارون كان هاربا من "الله" لأنه كان


١ خصائص التصور الإسلامي ومقوماته. ص٨٣-٨٨.
٢ الإسلام ومشكلات الحضارة. ص١٠٤.
٣ سورة القيامة: ٥.

<<  <   >  >>