للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

على أن تؤلف بين قلوب البشر على اختلاف ديارهم وأجناسهم ولغاتهم واقتصادهم.. وهي وحدها قادرة على أن تجمع العالمين في دائرة واحدة، وأن تمدهم بقيم واحدة وأن تظلهم بأنظمة واحدة، وبشريعة واحدة، ومن هذا كله تنبع مشاعرهم وتتحد آمالهم وغاياتهم واتجاهاتهم..

قال الله تبارك وتعالى: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَتَسَاءَلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا} ١. هذه الدعوة العالمية الإنسانية اتجهت من رب العباد إلى الناس كافة ليتجمعوا على الرابطة الإلهية، رابطة الإيمان بوحدانية الله تعالى، رابطة الإسلام، وهذه الرابطة تذكرهم بوحدة الأصل "خلقكم من نفس واحدة" فالتاريخ البشري في نظر الإسلام تاريخ له مكانته وله أصالته وله منزلته العالية وله رفعته وله جلاله إنه يتناسب مع كرامة الإنسان ومع وظيفته في هذه الأرض.. وليس ماضيًا يغض المرء طرفه حياء منه، أو خجلًا من لوثة أصله، إنه تاريخ إنساني له أصالته الإنسانية، ومن ثم فليس لأحد أن يفخر على أحد أو أن يستعلي على أحد إذ إن الأب واحد والأسرة واحدة، فلم يبق إذن للجنس مكان كي يستعلي الإنسان بسببه على غيره، ولا وجود في هذا الميزان الدقيق الحساس لأسطورة شعب الله المختار أو لأسطورة العرق الآري.

قال الله تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ} ٢.

وقال الرسول, صلى الله عليه وسلم: "ليس منا من دعا إلى عصبية، وليس منا من قاتل على عصبية، وليس منا من مات على عصبية" ٣. فليست دعوة التعصب للجنس أو للون، أو التعصب لطائفة اجتماعية دعوة معتبرة أو معترف بها في المجتمع الراقي المتقدم في ركب الحضارة وليس لها مكان أبدًا في مجتمع تقوم دعائمه على أسس المودة والرحمة والتعاون والمشاركة والإيثار..


١ النساء: ١-٢.
٢ سورة الحجرات: ١٣.
٣ رواه أبو داود.

<<  <   >  >>