للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

الشنيعة التي يرتكبها مخلوق في حق خالقه لما فيه من عقوق وجحود للفضل والجميل.

ويطلق الجهاد في الشرع أيضًا على مجاهدة النفس والشيطان والفساق، وتتحقق مجاهدة النفس بتعلم أمور الدين. لقول الله تعالى: {فَاعْلَمْ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ} ١، ولقوله تعالى: {إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ} ٢, ولقول رسول الله: "من يرد الله به خيرًا يفقهه في الدين" ٣، ولقوله, صلى الله عليه وسلم: "العلماء هم ورثة الأنبياء" ٤, كما يتحقق بأمور الدين بالعمل وتعليمها ونشرها مصداقًا لقول الرسول, صلى الله عليه وسلم: "مثل ما بعثني الله به من الهدى والعلم كمثل الغيث الكثير أصاب أرضًا فكان منها نقية قبلت الماء فأنبتت الكلأ والعشب الكثير وكانت منها أجادب أمسكت الماء فنفع الله بها الناس، فشربوا وسقوا وزرعوا وأصابت منها طائفة أخرى إنما هي قيعان لا تمسك ماء ولا تنبت كلأ، فذلك مثل من فقه في دين الله ونفعه ما بعثني الله به فعلم وعلم، ومثل من لم يرفع بذلك رأسًا ولم يقبل هدى الله الذي أرسلت به" ٥, وقال ابن عباس, رضي الله عنهما: كونوا ربانيين حلماء فقهاء. ويقال: الرباني الذي يربي الناس بصغار العلم قبل كباره.

أما مجاهدة الشيطان فإنها تتحقق بدفع ما يأتي به من الشبهات، وما يزينه من الشهوات، إذ إن الشيطان متوعد لآدم وبنيه، بقوله تعالى: {فَبِمَا أَغْوَيْتَنِي لأَقْعُدَنَّ لَهُمْ صِرَاطَكَ الْمُسْتَقِيمَ, ثُمَّ لآتِيَنَّهُمْ مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَمِنْ خَلْفِهِمْ وَعَنْ أَيْمَانِهِمْ وَعَنْ شَمَائِلِهِمْ وَلا تَجِدُ أَكْثَرَهُمْ شَاكِرِينَ} ٦.

وأما مجاهدة الفساق فتتحقق بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وبإلزامهم على الحق واتباعه، واجتناب المنكر والتبرؤ منه لقول الرسول, صلى الله عليه وسلم: "من رأى منكم منكرًا فليغيره بيده فإن لم يستطع فبلسانه، فإن لم يستطع فبقلبه وذلك أضعف الإيمان" وفي رواية "وليس بعد ذلك من حبة خردل من إيمان".


١ سورة محمد: ١٨.
٢ سورة فاطر: ٢٨.
٣ فتح الباري على صحيح البخاري: ١/ ١٦٠، ١٦٤.
٤ سنن أبي داود: ٣٦٤١ والترمذي ٢٦٨٢.
٥ فتح الباري بصحيح البخاري: ١/ ١٧٥.
٦ سورة الأعراف: ١٦-١٧.

<<  <   >  >>