للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

والخزرج، وبين الأنصار والمهاجرين، حتى أصبح مجتمع المدينة المنورة متحد الأهداف والمشاعر، يتحرك نحو اتجاه واحد، ويحقق أعمالا متكاملة منسجمة، وإلى هذه الروح الطيبة والمشاعر النبيلة أشار القرآن الكريم بقوله: {إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَهَاجَرُوا وَجَاهَدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَالَّذِينَ آوَوا وَنَصَرُوا أُوْلَئِكَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ} ١.

وقوله: {لِلْفُقَرَاءِ الْمُهَاجِرِينَ الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيارِهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانًا وَيَنْصُرُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُوْلَئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ، وَالَّذِينَ تَبَوَّءُوا الدَّارَ وَالإِيمَانَ مِنْ قَبْلِهِمْ يُحِبُّونَ مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهِمْ وَلا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حَاجَةً مِمَّا أُوتُوا وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ} ٢.

وبعد ذلك سمح رسول الله -صلى الله عليه وسلم- للمسلمين أن يهادنوا اليهود، وأن يعايشوهم معايشة سلمية ولما تظهر عليهم بوادي عداوة للمسلمين وللدعوة الإسلامية، فعوملوا على الظاهر من أمرهم، وكفل لهم الإسلام حرية العقيدة والعبادة على أن يخضعوا حكما ونظاما وقانونا للشريعة الإسلامية. ومن ثم وقع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- معهم معاهدة الصلح، ويذكر ابن قيم الجوزية في كتابه زاد المعاد نص المعاهدة وهو: "هذا كتاب من محمد النبي بين المؤمنين والمسلمين من قريش وأهل يثرب ومن تبعهم فلحق بهم وجاهد معهم: إنهم أمة واحدة من دون الناس، وإن من تبعنا من يهود، فإن له النصر والأسوة غير مظلومين ولا متناصر عليهم، وإن سلم المؤمنين، لليهود دينهم وللمسلمين دينهم إلا من ظلم أو أثم.."٣.

وهكذا أقرت هذه المعاهدة التعايش السلمي مع غير المسلمين في ظل الحكم الإسلامي، ولم يسبق أن عرف التاريخ كفالة الحريات العقيدية والعبادية قبل أن يأتي الإسلام بتقريرها. قال الله تعالى: {لا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ


١ سورة الأنفال: ٧٣.
٢ الحشر: ٩.
٣ زاد المعاد: ٢/ ٨٨.

<<  <   >  >>