للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

بَعْضَكُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجَاتٍ} ١ ومنع الجمهور منه. وقد نهى أبو بكر الصديق -رضي الله عنه- عنه لما دعي به، وقال: "لست خليفة الله ولكني خليفة رسول الله -صلى الله عليه وسلم- والاستخلاف إنما هو في حق الغائب، وليس في حق الحاضر٢.

أما الخلافة في الاصطلاح: فهي رياسة عامة في أمور الدين والدنيا نيابة عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وفي ذلك يقول ابن خلدون: "والخلافة هي حمل الكافة على مقتضى النظر الشرعي في مصالحهم الأخروية والدنيوية الراجعة إليها. إذ أحوال الدنيا ترجع كلها عند الشرع إلى اعتبارها بمصالح الآخرة، فهي في الحقيقة خلافة عن صاحب الشرع في حراسة الدين والدنيا"٣.

وذهب السلف الصالح إلى أن أساس كل حكم في الإسلام الخلافة، وإن منزلة الخليفة من الأمة كمنزلة رسول الله -صلى الله عليه وسلم- من المؤمنين له عليهم الولاية العامة والطاعة التامة، وله حق القيام على دينهم فيقيم فيهم حدوده وينفذ زمام الأمة، وكل ولاية مستمدة منه، وكل خطة دينية أو دنيوية متفرعة عن منصبه. فهو الحاكم الزمني والروحي للمسلمين٤.

وعلى هذا فالخليفة هو الذي يتولى شئون المسلمين ويحكم بشريعة الله ويطبق أنظمة الإسلام في كافة مجالات الحياة الدنيا، اجتماعية كانت أو اقتصادية، أو تعليمية أو سياسية داخلية أو خارجية، وليس معنى قولنا "بيده زمام الأمة" أنه يحكم في الأمة حسبما يمليه عليه هواه أو تأمره به نفسه، كلا! بل إنه ملزم بتطبيق الدستور الإسلامي وهو مسئول أمام الناس عن مدى تطبيق النظام الإسلامي.

والخلافة صورة أصلية وتعبير صادق لجمع كلمة المسلمين وتوحيد أنظمتهم الدنيوية وسياستهم الخارجية، وهي عنوان على اتحاد وضعهم وقوتهم المعنوية والمادية. وهناك أدلة كثيرة تدعو إلى جمع المسلمين في كافة بلادهم وجميع


١ سورة الأنعام: ١٦٥. وانظر سورة فاطر: ٣٩.
٢ مقدمة ابن خلدون: ص١٦٦.
٣ مقدمة ابن خلدون: ص١٦٦.
٤ تاريخ الإسلام د. حسن إبراهيم: ص٦٣.

<<  <   >  >>