للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

. . . . . . . . . . . . .


= ومعنى هذا: أن الناذرَ قد التزم فعلَ المنذور، فإذا لم يَفِ بما التزمَه لزمَتْه الكفَّارةُ، كما لو التزمَ صومًا أو صلاةً، فعجز عنها، والعجز شرعًا بالمنع كالعجز حسًّا، لكن قد يقال: إن العجزَ الشَّرعيَّ مُقارِنٌ لعقد النذر، فمنعَ مِن انعقادِه، والعجزُ الطارئُ يُوجب الانتقالَ إلى البدل أو الكفَّارة، فبينهما فرقٌ.
ويقال في الجواب: إن النذرَ كاليمين وأقوى، وهو لو التزمَه بيمينه لزمَتْه كفَّارةٌ قارنةُ العجزِ، أو طرأ عليه، فإذا نذرَه فقد التزمَه بنذره، فإذا منعَ منه شرعًا أو حسًا كفَّر عن يمينه، وهذا قوي.
قال المُوجِبون للكفَّارة: ويدل على ذلك أيضًا حديثُ عقبة بن عامر لما نذرَتْ أختُه أن تمشيَ حافيةً غيرَ مُختمِرةٍ، وفي حديث عبد الرزاق عن ابن جُرَيج، حدثني سعيد بن أبي أيوب، عن يزيد بن أبي حبيب، عن أبي الخير، عن عقبة: أن أختَه نذرَتْ أن تحجَّ ماشيةَ ناشرةً شَعرَها، فأمرَها رسولُ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- بصيامِ ثلاثةِ أيامٍ، وفي "سُنَن أبي داود": فأمرَها أن تُكفِّرَ عن يمينها وتَختمِرَ وتَركبَ، ولكن يُقال: الحديثُ مُختلِفٌ؛ ففي بعضه أنها أُمرَتْ أن تُهديَ بَدَنةً، وفي لفظ: أُمرَتْ أن تُكفِّرَ عن يمينها، وفي لفظ: أُمرَتْ بهما.
والجواب: أن هذا لا تناقضَ فيه ولا اختلافَ فى ذلك؛ لأنها نذرَتْ أمرَينِ: أحدُهما طاعةٌ، فعجزَتْ عنها، والآخرُ معصيةٌ، وهو نشرُها شَعرَها، فأُمرَتْ بالهَدي لنذرِها المشيَ المنذورَ، كما يُؤمَر به مَن تركَ بعضَ واجبات حجِّه، وأُمرَتْ بالكفَّارة في نذرها المعصية، وهو نشرُ شَعرِها وكشفُ وجهِها، كما يُؤمَر بها مَن حلفَ على ذلك، فبعضُ الرواة رَوى الأمرَينِ، وبعضُهم اقتصرَ على أحدهما، ومَن زاد فهو ثقةٌ، وزيادتُه مقبولةٌ، لا سيما وغيرُه لم يَنفِها، وإنما غايتُه أنه سكتَ عنها، والزائدُ رَوى الحديثَ بتمامه.
قالوا: ومما يدل على الكفَّارة أيضًا حديثُ عقبة: "كفَّارةُ النَّذرِ كفَّارةُ اليمين"، وحديثُ ابن عباس أيضًا: "مَن نذرَ نذرًا لم يُسمِّه فكفَّارتُه كفَّارةُ يمينٍ، ومَن نذرَ نذرًا لم يُطِقْه فكفَّارتُه كفَّارةُ يمينٍ"، قالوا: ونذرُ المعصية غيرُ مُطَاقٍ شرعًا، واللَّه أعلم.