أن نصر بن سيار لما أتاه عهده على خراسان من قبل عبد الله بن عمر بن عبد العزيز، قام الكرماني في أصحابه وقال: الناس في فتنة فاختاروا لأنفسكم رجلًا. فقالوا: أنت لنا، وقالت المضرية لنصر: إن الكرماني يفسد عليك أمرك فأرسل إليه فاقتله، أو احبسه، فقرر حبسه، وكان ذلك بعد مقتل الوليد.
وقيل: أتى قوم إلى نصر وحذروه من الكرماني، وقالوا: إنه يدعو إلى فتنة، وأنه يطلب السلطان، وكان نصر والكرماني متصافين، وقد أحسن الكرماني إلى نصر في ولاية أسد بن عبد الله، فلما ولي نصر عَزَلَ الكرماني عن الرئاسة ثم ولاه يسيرًا ثم عزله، فتباعد ما بينهما، فحبسه نصر بعد أن ذكَّرَه بفضائله عليه، ثم هرب من سجنه، وخرج عليه (١).
وهذا ما روي في خبر العصبية القبلية في خراسان، ويبدو أن صاحب الكتاب حصرها في أفعال نصر وتحزبه مع النزارية ضد اليمانية، وهذا مبالغة منه، ولعلها قامت لأسباب منها: أنها امتداد للفتنة التي قامت في الشام ضد الخليفة الوليد بن يزيد، والتي أدت إلى مقتله، فقد راج أمر الناس ووقعت الفتنة في الشام والعراق وخراسان، فتحزب العرب في خراسان لولائهم القبلي بدلًا من ولائهم لبني أمية، ومن ذلك الكرماني ومن معه من اليمانية، فالكرماني يمتلك قاعدة عريضة من الأتباع، ثم إنه يعتبر الرجل الأول في هذا الحي من العرب، أما المضرية فقد تحزبوا وهم يمثلون الجانب الأعلى؛ لأن ولاءهم أخذ الشرعية بسبب نصر وولايته، ثم إن التنافس الواضح بين الكرماني ونصر على خراسان، كان له الأثر الكبير في خروج الكرماني على نصر، وخصوصًا أن الكرماني قد جرب السلطة ثم عزل عنها وله أتباع يحثونه عليها.