للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
رقم الحديث:

أما نصر فقد نجا من غدر أبي مسلم حين أمنه وأظهر أنه يريد إكرامه، وذلك أن نصرًا لما قدم على أبي مسلم، أرسل إليه من يخبره أنه يريد محادثته، وكان ممن بعث إليه لاهز بن قرط، فلما أتوه تلا لاهز قول الله تعالى: {إِنَّ الْمَلَأَ يَأْتَمِرُونَ بِكَ لِيَقْتُلُوكَ} (١)، فتنبه لذلك نصر وقال لهم: إنه صائر إلى أمر أبي مسلم، ثم احتال عليهم وهرب، فأخبر أبي مسلم بفعل لاهز فقتله (٢)، ثم إن نصرًا سار إلى الري، فلما صار إليها مرض، فحمل إلى ساوة بقرب همذان فمات بها (٣)، وكان ذلك في سنة إحدى وثلاثين ومائة (٤).

فهذا أبو مسلم وهذه أعماله الخسيسة، فقد كان لا يدع للعرب في خراسان مجالًا للاجتماع، فكلما حاولوا ذلك عمل بخبثه بالتفريق بينهما، وحينما يجد الفرصة يغدر بهم ويسفك دماءهم، ونجد أن صاحب الكتاب صوره بذلك البطل الشهم الذي يحب نصرة المظلوم، وأنه وافٍ بالعهد ولا يحب الغدر.

ولعل هذا من تسليط الله عليهم بسبب عصبيتهم واختلافهم، ولولا العصبية والخلاف بين العرب في خراسان لم تتمكن الدعوة العباسية من الانتصار، فقد فتح هذا التنافس والتناحر على العرب شرًّا أذهب به أمرهم، وتسلط عليهم من عاث في دمائهم وفرق جمعهم وأصبحوا أذلاء بعد عزتهم، ومن صور هذا الذل أنهم يتنافسون في التحالف مع أبي مسلم لكي يتقوى به أحدهما على الآخر، وهذا الخلاف والتنازع فيما بينهم هو الذي أفشلهم وأذهب ريحهم، وبدَّل قوتهم ذلة وهوانًا، وهذا من سنن الله في خلقه، قال تعالى:


(١) سورة القصص: الآية ٢٠.
(٢) البلاذري: الأنساب ٤/ ١٣١. الطبري: التاريخ ٧/ ٣٨٤.
(٣) البلاذري: الأنساب ٤/ ١٣١. الطبري: التاريخ ٧/ ٤٠٣.
(٤) الطبري: التاريخ ٧/ ٤٠٣.

<<  <   >  >>