متصبره من الفضل الذي ملك زمانه, والعلم الذي أصبح إمامه, والزهد الذي رداه رداء الورع, والمجد الذي فاق فيه نظراءه فبرع. لا تزعزعه النوائب, ولا تروعه المصائب, ولا تستفزه جرياً على سنن الفضلاء الأكابر, وأخذاً بما ذخر الله تعالى للصابر.
وفي فصل منها: ولست أعزك الله ووقاك بأول من أفرده الدهر من حميمه, وجرعه كأس حميمة. فشيم الزمان, عدم الأمان, وسجايا الدهر, رزايا العلماء في البر والبحر. ألم يفجع متمماً بمالك, وصيره يبكي القبور لقبر ثوى بين اللوى فالدكادك. وأصاب الخنساء بصخرٍ, فلم يحجبه ما يسرته له من الثناء والفخر, وفرق بين ندماني جذيمة, فأفقد كل واحدٍ منهما نديمه, وملأ قلب سيبويه أحزاناً, حتى أنشد (عن) أخوين كانا..... [رجز]
كل أخ (مهما غدا) ... أخ له مفارقه
لا بد أن يطرقه ... من الحمام طارقه
وسوف يلحق الفرقدين العناء, فلا ينفعهما الاستثناء. فإذا علم المرء أنه إلى الموت مآله, وقد درج عليه سلفه وآله. فما ينفعه الوله, وسوف يفني آخر كما أفنى أوله: [طويل]
وما المرء إلا هالك وابن هالكٍ ... وذو نسب في الهالكين عريق
وكتب معها: [متقارب]
عزاء, فمثلك من يؤتسى ... به في العزاء إذا الخطب لم
ومن كان قلبك في صدره ... محا الصبر ما خط فيه الألم