وكان الدعي أشبه النسا بالمؤيد بالله. وحدثني بعض من أثق به, أنه رأى في أحد التواريخ, أن هشاما الدعي لما وصل على ألمرية دخل في فندق بها, فرآه الناس فقالوا: هذا أمير المؤمنين المؤيد, للشبه الذي كان بينهما, فسألوه, فقال: إنما أنا هشام مالقي. فتأولوا ذلك وقالوا: إنما أراد: هشام ما لقي, أي ما لقي من قومه وما فعلوا به, فقوي عندهم أنه المؤيد. فلما رأى خيران ذلك أخرجه عن ألمرية, لعلمه أنه ليس بالمؤيد. قلت: ومما يقوي أنه الدعي أن المؤرخين قد ذكروا أن المؤيد بالله بويع سنة ست وخمسين وثلاثمائة, وهو ابن عشرين سنة وثلاثة أشهر, وقيل: عشرة أشهر. وأنه مات وهو ابن ست وأربعين سنة وثلاثة أشهر, وقيل عشرة أيام أو ثلاثة عشر يوما. فهذا يقتضي أن تكون وفاته سنة اثنين وأربعمائة أو نحوها. وهشام الذي بايعه القاضي ابن عباد سنة ست وثلاثين وأربعمائة, فكيف يصح أن يكون المؤيد بالله أمير المؤمنين.
قال بعض المؤرخين: من أشنع ما كان في أيام بني حمود أربعة خلفاء في مسيرة ثلاثة أيام, كلهم يسمى بأمير المؤمنين, ويخطب لهم بها في زمن واحد, وهم: المدعي أنه هشام المؤيد بإشبيلية يخطب له ابن عباد, ومحمد بن القاسم بن حمود بالجزيرة, ومحمد بن إدريس بن علي بمالقة, وإدريس بن يحيى بمبشتر. وكانت وفاة الدعي في نحو عام سبعة وثلاثين وأربعمائة.