لقد تبارى الفنانون وكُتّابهم في المسرح المعدّ للناشئة في تقديم كل ما يسرّ الطفل ويضحكه، دون النظر إلى القيم والأهداف، ودون مراعاة لشخصية الطفل وإمكاناته، والعمل على تنميتها، فإذا ضحك الطفل بفعل بعض الحركات المؤداة على منصة المسرح، فمعنى ذلك - من وجهة نظرهم- أن العمل المسرحي قد حقق الهدف المتوخى منه، وهذا غاية ما يتمناه كثير من القائمين على مسرح الطفل.
فنحن نرى في هذا المسرح شخصيات وهمية، كحيوانات - مثلاً- نراها وهي تتكلم وتشد انتباه الطفل، فيتلقى الطفل معلوماته المسلّمة من حيوانات، وكأن الحيوانات صارت منظِّرة في المبادئ والقيم والأخلاق والسلوك الحميد للإنسان، فما أعجب ما ذهبوا إليه!! وما أشد الشحّ الفكري لدى هذا الإنسان، وما أعظم فيوضات تلك الحيوانات بالمُثُل والعقل، فهل أضحت هي دائرة معارف الناشئة، ومصدر غرس القيم لديه؟! هذا - فيما لو أحسنّا الظن بتضمّن الحوار بينها لقيم نبيلة، وغايات إنسانية سامية!! لكن الواقع يشهد بأن الناشئ لا يلقي بالاً لما يدور من حوار بين هذه الحيوانات، بقدر ما يهتم بحركاتها وصرخاتها، ومناظرها المشوّقة الجذّابة، وبألوانها الزاهية وملابسها المزخرفة، وحيواناتها الناطقة المجسّمة، وإيهام تلبّس الحياة بها، مما يؤثر سلباً في عقيدة الناشئ ويؤدي به إلى التساهل في تقبّل ذلك (١) .
أما ذاك الانفصام بين طبيعة الحيوانات - واقعًا - وما يراه
(١) لا يخفى تجوّز العلماء في شأن الأطفال، وما يعرض لهم كالرسوم المتحركة. ومع هذا التجوز، فإن تعلق الطفل بذلك قد يعوّده على التساهل في شأن التصوير والتجسيم.