للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وفيه دليل آخر على جواز خلو١ الجملة الجارية خبرًا عن المبتدأ من ضمير يعود إليه منها ألا ترى أن قوله "لم يخفني الرجل الظلوم " ليس فيه عائد على هو وكيف يكون الأمر إلا هكذا ألا تعلم أن هذا المضمر على شريطة التفسير لا يوصف٢ ولا يؤكد ولا يعطف عليه ولا يبدل منه ولا يعود عائد ذكر عليه وذلك لضعفه من حيث كان مفتقرًا إلى تفسيره. وعلى هذا ونحوه عامة ما يرد عليك من هذا الضرب؛ ألا ترى أن قول الله عز وجل {اللَّهُ أَحَدٌ} لا ضمير فيه يعود على "هو " من قبله.

واعلم أن اللفظ قد يرد شيء منه فيجوز جوازًا صحيحًا أن يستدل به على أمر ما وأن يستدل به على ضده البتة. وذلك نحو مررت بزيد ورغبت في عمرو وعجبت من محمد وغير ذلك من الأفعال الواصلة بحروف الجر.

فأحد ما يدل عليه هذا الضرب من القول أن الجار معتد من جملة الفعل الواصل به ألا ترى أن الباء في نحو مررت بزيد معاقبة الهمزة النقل في نحو أمررت زيدًا وكذلك قولك أخرجته وخرجت به وأنزلته ونزلت به. فكما أن همزة أفعل مصوغة٣ فيه كائنة من جملته فكذلك ما عاقبها من حروف الجر ينبغي أن يعتد أيضًا من جملة الفعل لمعاقبته ما هو من جملته. فهذا وجه.

والآخر أن يدل ذلك على أن حرف الجر جار مجرى بعض ما جره ألا ترى أنك تحكم لموضع الجار والمجرور بالنصب فيعطف٤ عليه فينصب٤ لذلك فنقول: مررت بزيد وعمرًا وكذلك أيضًا لا يفصل بين الجار والمجرور لكونهما في كثير


١ وذلك أن الخبر عين المبتدأ في المعنى؛ إذ كان تفسيرا له، فاستغني عن العائد.
٢ انظر في هذا المغني في الباب الرابع "المواضع التي يعود الضمير فيها على متأخر لفظا ورتبة".
٣ كذا في أ، وفي ش، ب، "موضوعة".
٤ هذا في أ. وفي ش، ب، "فتعطف ... فتنصب".

<<  <  ج: ص:  >  >>