للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وأما جواز اعتقاد سقوط حكم ما تعلق به الظرف من هذا البيت فلأنه قد عطف قوله " فطيره" على قوله " علي " وإذا جاز عطف الفعل على الظرف قوي حكم الظرف في قيامه مقام الفعل المتعلق هو به وإسقاطه حكمه وتوليه من العمل ما كان الفعل يتولاه وتناوله به ما كان متناولا له.

فهذان وجهان من الاستدلال بالشيء الواحد على الحكمين الضدين, وإن كان وجه الدلالة به على قوة حكم الظرف وضعف حكم الفعل في هذا وما يجري مجراه هو الصواب عندنا وعليه اعتمادنا وعقدنا. وليس هذا موضع الانتصار لما نعتقده فيه وإنما الغرض منه أن نرى١ وجه ابتداء تفرع القول وكيف يأخذ بصاحبه ومن أين يقتاد الناظر فيه إلى أنحائه ومصارفه.

ونظير هذا البيت في حديث الظرف والفعل من طريق العطف قول الله عز اسمه {يَوْمَ تُبْلَى السَّرَائِرُ، فَمَا لَهُ مِنْ قُوَّةٍ وَلَا نَاصِرٍ} أفلا تراه كيف عطف الظرف٢ الذي هو {لَا قُوَّةَ إِلَّا بِاللَّهِ} على قوله: {تُبْلَى} وهو فعل فالآية نظيرة البيت في العطف وإن اختلفا في تقدم الظرف تارة وتأخره أخرى.

وهذا أمر فيه انتشار وامتداد وإنما أفرض منه ومما يجري مجراه ما يستدل به ويجعل عيارًا على غيره. والأمر أوسع شقة وأظهر كلفة ومشقة؛ ولكن إن طبنت٣ له ورفقت به, أولاك جانبه وأمطاك كاهله وغاربه وإن خبطته٤ وتورطته٥ كدك مهله٦, وأوعرت بك سبله فرفقًا وتأملًا.


١ كذا في ش وفي غيرها: "ترى".
٢ إن المعطوف جملة: {فَمَا لَهُ مِنْ قُوَّةٍ وَلَا نَاصِرٍ} ، لا الظرف. فترى كلام ابن جني هنا غير دقيق.
٣ أي فطنت.
٤ يريد: عالجته بغير رفق وتهدّ إلى وجهه. يقال: خبط الشيء: وطئه شديدًا.
٥ أي سرت فيه على غير بصيرة. وأصل ذلك أن يقال: تورط في الأمر: أرتبك فيه فلم يسهل له المخرج منه. فاستعمله في سبب هذا وهو أخذه بغير وفق والوارد أن يقال: تورط في الأمر؛ كما رأيت، وكأنه ضمنه معنى ساءه، مثلا.
٦ يريد أنه يبطئ عليك تعرفه، فيسوءك ذلك.

<<  <  ج: ص:  >  >>