للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فيصير معناه لا إعرابه: ولن ينفعكم إذ ظلمتم اشتراككم اليوم في العذاب، فينتزع من معنى {مُشْتَرِكُونَ} ما يعمل في "اليوم" على حد قولنا في قوله -سبحانه: {أَلاَ يَوْمَ يَأْتِيهِمْ لَيْسَ مَصْرُوفًا عَنْهُمْ} ١ في أحد الأقوال٢ الثلاثة فيه، وعلى قوله تعالى: {يَوْمَ يَرَوْنَ الْمَلَائِكَةَ لَا بُشْرَى يَوْمَئِذٍ لِّلْمُجْرِمِينَ} ٣ وإذ أنت فعلت هذا أيضا لم تخرج به من أن يكون "إذ ظلمتم" في اللفظ معمولا لقوله "لن ينفعكم" لما ذكرنا من الجوار، وتلو الآخرة الأولى بلا فصل.

وكأنه إنما جاء هذا النحو في الأزمنة دون الأمكنة، من حيث كان كل جزء من الزمان لا يجتمع مع جزء آخر منه إنما يلي الثاني الأول خالفا له وعوضا منه. ولهذا قيل -عندى- للدهر عوض -وقد ذكرت هذا في كتابي في التعاقب- فصار الوقتان كأنهما واحد وليس كذلك المكان؛ لأن المكانين يوجدان في الوقت الواحد بل في أوقات كثيرة غير منقضية. فلما كان المكانان بل الأمكنة كلها تجتمع في الوقت الواحد والأوقات كلها لم يقم بعضها مقام بعض ولم يجر مجراه. فلهذا لا نقول٤: جلست في البيت من خارج أسكفته وإن كان ذلك موضعا يجاور البيت ويماسه لأن البيت لا يعدم فيكون٥ خارج بابه نائبا عنه، وخالفا٦ في الوجود له كما يعدم الوقت فيعوض منه ما بعده.


١ آية ٨ سورة هود، وانظر ص٤٢ من الجزء الثاني.
٢ كذا في ش، ط، وفي د، هـ، ز: "أقوال".
٣ آية ٢٢ سورة الفرقان، وفي البحر لأبي حيان ٦/ ٤٩٢: "يوم يرون الملائكة منصوب بأذكر وهو أقرب، أو بفعل يدل عليه "لابشرى" أي منعون البشرى، ولا يعمل فيه "لا بشرى" لأنه مصدره، ولأنه منفي بلا للتي لنفي الجنس؛ لأنه لا يعمل ما بعدها فيما قبلها، وكذا الداخلة على الأسماء عاملة عمل ليس".
٤ كذا في ش، ط. وفي ز: "يقول".
٥ كذا في ش، وفي د، هـ، ز، ط: "فيقوم".
٦ كذا في ش، ط. وفي د، هـ، ز: "مخالفا".

<<  <  ج: ص:  >  >>