للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أي يأسًا من نوالكم مبينا. فلا يجوز أن يكون قوله: "من نوالكم" متعلقا بيأس وقد وصفه١ بمبين، وإن كان المعنى يقتضيه؛ لأن الإعراب مانع منه. لكن تضمر له حتى كأنك قلت: يئست من نوالكم.

ومن تجاذب الإعراب والمعنى ما جرى من المصادر وصفا؛ نحو قولك: هذا رجل دنف، وقوم رضا ورجل عدل. فإن وصفته بالصفة الصريحة قلت: رجل دنف، وقوم مرضيون، ورجل عادل. هذا هو الأصل. وإنما انصرفت العرب عنه في بعض الأحوال إلى أن وصفت بالمصدر لأمرين: أحدهما صناعي، والآخر معنوي. أما الصناعي فليزيدك أنسا بشبه المصدر للصفة التي أوقعته موقعها، كما أوقعت الصفة موقع المصدر، في نحو٢ قولك٣: أقائمًا والناس قعود "أي تقوم قياما والناس قعود"٤ ونحو ذلك.

وأما المعنوي فلأنه إذا وصف بالمصدر صار الموصوف كأنه في الحقيقة مخلوق من ذلك الفعل. وذلك لكثرة تعاطيه له واعتياده٥ إياه. ويدل على أن هذا معنى لهم، ومتصور في نفوسهم٦ قوله "فيما أنشدناه"٧:

ألا أصبحت أسماء جاذمة الحبل ... وضنت علينا والضنين من البخل٨

أي كأنه مخلوق من البخل لكثرة ما يأتي به٩ منه. ومنه١٠ قول الآخر:

وهن من الإخلاف والولعان١١

وقوله:

وهن من الإخلاف بعدك والمطل١٢

وأصل هذا الباب عندي قول الله -عز وجل: {خُلِقَ الْإِنسَانُ مِنْ عَجَلٍ} ١٣. وقد ذكرنا هذا الفصل فيما مضى. فقولك إذًا: هذا رجل دنف "بكسر النون"١٤ أقوى إعرابا؛ لأنه هو الصفة المحضة غير المتجوزة١٥. وقولك: رجل دنف أقوى معنى؛ لما ذكرناه: من كونه كأنه مخلوق من ذلك الفعل. وهذا معنى لا تجده، ولا تتمكن منه مع الصفة الصريحة. فهذا١٦ وجه تجاذب الإعراب والمعنى؛ فاعرفه وأمض الحكم فيه على أي الأمرين شئت.


١ كذا في د، هـ، ز: "وفي ش، ط: "وصفته".
٢ سقط هذا الحرف في ش، ط.
٣ في ز، ط: "قولهم".
٤ سقط ما بين القوسين في ش.
٥ في ش: "اعتداده".
٦ كذا في ش، وفي د، هـ، ز، ط: "أنفسهم".
٧ سقط ما بين القوسين في ش.
٨ انظر ص٢٠٤ من الجزء الثاني.
٩ سقط في ش، ط.
١٠ كذا في ش، وفي د، هـ، ز، ط: "مثله".
١١ انظر ص٢٠٥ من الجزء الثاني.
١٢ انظر ص٢٠٥ من الجزء الثاني.
١٣ آية ٣٧ سورة الأنبياء.
١٤ سقط ما بين القوسين في ش.
١٥ كذا في ش، وفي ز، ط: "المتجردة".
١٦ كذا في ش، ط، وفي د، هـ، ز: "وهذا".

<<  <  ج: ص:  >  >>