للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وهذا الأصمعى -وهو صناجة١ الرواة والنقلة، وإليه محط٢ الأعباء والثقلة، ومنه تجنى الفقر والملح، وهو ريحانة كل مغتبق ومصطبح- كانت مشيخة القراء وأماثلهم تحضره -وهو حدث- لأخذ قراءة نافع عنه. ومعلوم "كم٣ قدر ما" حذف من اللغة، فلم يثبته؛ لأنه لم يقو عنده؛ إذ لم يسمعه. وقد ذكرنا في الباب الذي هذا٤ يليه طرفا منه.

فأما إسفاف من لا علم له، وقول من لا مسكة به: إن الأصمعى كان يزيد في كلام العرب، ويفعل كذا، ويقول كذا، فكلام معفو عنه، غير معبوء به ولا منقوم من مثله، حتى كأنه لم يتأد إليه توقفه عن تفسير القرآن وحديث رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وتحوبه من٥ الكلام في الأنواء.

ويكفيك من ذا خشنة٦ أبي زيد وأبي عبيدة. وهذا أبو حاتم بالأمس، وما كان عليه من الجد والانهماك، والعصمة والاستمساك.

وقال لنا أبو علي -رحمه الله- يكاد يعرف٧ صدق أبى الحسن ضرورة. وذلك أنه كان مع الخليل في بلد واحد "فلم يحك عنه حرفا واحدا"٨.

هذا إلى ما يعرف عن عقل الكسائي وعفته، وظلفه٩، ونزاهته؛ حتى إن الرشيد كان يجلسه ومحمد بن الحسن على كرسيين بحضرته، ويأمرهما ألا ينزعجا١٠ لنهضته.


١ هو الذي يضرب بالصنج؛ وهو آلة ذات أوتار يضرب بها ويقال ذلك للماهر المجيد. وكان الأعشى يقال له صناجة العرب لجودة شعره.
٢ كذا في ش، ط، وفي د، هـ، ز: "تتحط" والأعباء جمع العبء، وهو الحمل، والثقلة: الأمتعة والأثقال.
٣ كذا في ط، وفي ش: "قدركم" وفي ز: "قدوما".
٤ كذا في ط، وفي ش، ز: "قبل هذا".
٥ في ز: "في".
٦ في ط: "حسنة" والخشة: الخشونة والصلابة.
٧ في ز: "يعلم".
٨ سقط ما بين القوسين في ش.
٩ الظلف: النزاهة.
١٠ في ط: "ينزعج أحد منهما".

<<  <  ج: ص:  >  >>