للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الطرف دون مداه. وقد تعرض الشبه للفريقين "وتعترض على كلتا الطريقتين"١. فلولا أن هذا العلم في نفوس أهله، والمتفيئين بظله، كريم الطرفين، جدد٢ السمتين، لما تسابوا بالهجنة فيه، ولا تنابزوا بالألقاب في تحصين فروجه ونواحيه، ليطووا ثوبه على أعدل غروره٣ ومطاويه.

نعم، وإذا كانت هذه المناقضات٤ والمثقافات٥ موجودة بين السلف القديم، ومن باء فيه بالمنصب والشرف العميم، ممن هم سرج الأنام، والمؤتم بهديهم في الحلال، والحرام ثم لم يكن ذلك قادحا فيما تنازعوا فيه، ولا غاضا منه، ولا عائدا بطرف من أطراف التبعة عليه، جاز مثل ذلك أيضا في علم العرب، الذي لا يخلص جميعه للدين خلوص الكلام والفقه له: ولا يكاد يعدم أهله الأنق به، والارتياح لمحاسنه. ولله أبو العباس أحمد بن يحيى، وتقدمه في نفوس أصحاب الحديث ثقةً وأمانة، وعصمة وحصانة. وهم عيار هذا الشان، وأساس هذا البنيان.

وهذا أبو علي رحمه الله، كأنه بعد معنا، ولم تبن به الحال عنا، كان من تحو به وتأنيه٦، وتحرجه كثير التوقف فيما يحكيه، دائم الاستظهار لإيراد ما يرويه. فكان تارة يقول، أنشدت لجرير فيما أحسب، وأخرى: قال لي أبو بكر٧ فيما أظن، وأخرى٨: في غالب ظني كذا، وأرى أني قد سمعت كذا.

هذا جزء من جملة، وغصن من دوحة، وقطرة من بحر، مما يقال في هذا الأمر. وإنما أنسنا بذكره، ووكلنا الحال فيه، إلى تحقيق ما يضاهيه.


١ كذا في د، هـ، ز. وفي ط: "الطائفتين" في مكان: "الطريقتين". وسقط ما بين القوسين في ش.
٢ كذا في ش، ط، وفي د، هـ، ز: "حدد" "وجدد السمتين: مستويهما، من الحدد للأرض المستوية، والسمت: الطريق وهيئة أهل الخير.
٣ جمع غر -بفتح الغين- وغرور الثوب: سكاسره أي حيث يتئتي وينكسر.
٤ كذا في ش، وفي ط: "المنافمات".
٥ أي المخاصمات: وهو من قولهم: ثاقب الرجل: غالبه في الثقف وهو الحذق والفطنة.
٦ كذا في ش، وفي ط: "تأبيه".
٧ يريد ابن السراج.
٨ في ط: "أخبرني".

<<  <  ج: ص:  >  >>