للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فإن قلت: فهل تجد لبيت الجعدي على تفسيرك الذي حكيته ورأيته نظيرًا؟ قيل: لا ينكر وجود ذلك مع الاستقراء واعمل فيما بعد على أن لا نظير له, ألا تعلم أن القياس إذا أجاز شيئًا وسمع ذلك الشيء عينه فقد ثبت١ قدمه, وأخذ من الصحة والقوة مأخذه, ثم لا يقدح فيه ألا يوجد له نظير لأن إيجاد النظير وإن كان مأنوسًا به فليس في واجب النظر إيجاده؛ ألا ترى أن قولهم: في شنوءة شنَئي لما قبله القياس لم يقدح فيه عدم نظيره نعم ولم يرض له أبو الحسن بهذا القدر من القوة حتى جعله أصلا يرد إليه ويحمل غيره عليه. وسنورد فيما بعد بابًا لما يسوغه القياس وإن لم يرد به السماع بإذن الله وحوله.

ومن ذلك -أعني الاستحسان- أيضًا قول الشاعر:

أريت إن جئت به أملودا ... مرجلا ويلبس البرودا٣

أقائلن أحضروا الشهودا

فألحق نون التوكيد اسم الفاعل تشبيهًا له بالفعل المضارع. فهذا إذًا استحسان لا عن قوة علة ولا عن استمرار عادة؛ ألا تراك لا تقول: أقائمنَّ يا زيدون ولا أمنطلقنَّ يا رجال إنما تقوله بحيث سمعته وتعتذر له, وتنسبه إلى أنه استحسان منهم على ضعف منه واحتمال بالشبهة له.


١ كذا في ش، ب. وفي أ: "ثبتت"، وكلاهما جائز؛ فإن القدم مؤنث مجازي.
٢ انظر ص١١٧ من هذا الجزء.
٣ "جئت" بضم التاء كما نص عليه صاحب الخزانة، وإن ضبط في أبفتحها. وكان من قصة هذا الرجز أن رجلا من العرب أتى أمة له، فلما حبلت جحدها وزعم أنه لم يقربها، فقالت هذا الرجز تريد: أخبرني إن ولدت ولدا هذه صفته أتقول لي ولمن يشايعني: أحضروا الشهود على أن هذا الولد منك. إنك لن تقول ذلك وإنما ترضى بالولد، فاصبر فعسى أن أجيء، بما يقر عينك، وفي بعض الروايات "جاءت" بدل "جئت"، و"أحضري" بدل "أحضروا". وانظر الخزانة ٥٧٤ ج٤، وشرح الكامل للمرصفي ١/ ٩٧.

<<  <  ج: ص:  >  >>