للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فرفع المفعول ونصب الفاعل, قيل لو لم يحتمل١ هذا البيت إلا ما ذكرته لقد كان على سمت من القياس ومطرب٢ متورد بين الناس؛ ألا ترى أنه على كل حال قد فرق فيه بين الفاعل والمفعول, وإن اختلفت جهتا الفرق. كيف ووجهه في أن يكون الفاعل فيه مرفوعًا, والمفعول منصوبًا قائم صحيح مقول به. وذلك أن رعن هذا القف لما رفعه الآل فرئي فيه, ظهر به الآل إلى مرآة العين ظهورًا لولا هذا الرعن لم يبن للعين فيه٣ بيانه إذا كان فيه؛ ألا تعلم أن الآل إذا برق للبصر رافعًا شخصًا كان أبدى للناظر إليه منه لو لم يلاق شخصًا يزهاه فيزداد بالصورة التي حملها سفورًا وفي مسرح الطرف تجليًا وظهورًا.

فإن قلت: فقد قال الأعشى:

إذ يرفع الآل رأس الكلب فارتفعا٤

فجعل الآل هو الفاعل والشخص هو المفعول قيل ليس في هذا أكثر من أن هذا جائز وليس فيه دليل على أن غيره غير جائز؛ ألا ترى أنك إذا قلت ما جاءني غير زيد فإنما في هذا دليل على أن الذي هو غيره لم يأتك فأما زيد نفسه فلم تعرض للإخبار٥ بإثبات مجيء له أو نفيه عنه فقد يجوز٦ أن يكون قد جاء وأن يكون أيضًا لم يجئ.


١ كذا في أ، ب. وفي ش: "يحصل".
٢ المطرب، وكذا المطربة: الطريق.
٣ كذا في أ، ب، ش وسقط هذا اللفظ في عبارة اللسان.
٤ صدره:
إذ نظرت نظرة ليست بكاذبة
وقبله:
ما نظرت ذات أشفار كنظرتها ... حقا كما صدق الذئبي إذ سجعا
وهو في الحديث عن عنز اليمامة، والذئبي: سطيح الكاهن، ورأس الكلب: جبل باليمامة. وانظر الديوان ٧٤.
٥ كذا في أ. وفي ش، ب: "في الإخبار"، وكأنه ضمن تعرض معنى تدخل فعداه بفي. وفي عبارة اللسان: "فلم يعرض للإخبار".
٦ كأنه جرى في هذا على اصطلاح المناطقة. فأما في العربية فإن قولك: ما جاءني غير زيد استثناء مفرغ، كقولك: ما جاءني إلا زيد، وهذا يفيد البتة مجيء زيد.

<<  <  ج: ص:  >  >>