للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ألزمت عند أبي علي -رحمه الله- قولا لأبي الحسن شيئًا لا بد للنظر من إلزامه إياه يقول لي: مذاهب أبي الحسن كثيرة ".

ومن الشائع في الرجوع عنه من المذاهب ما كان أبو العباس تتبع١ به كلام سيبويه وسماه مسائل الغلط. فحدثني أبو علي عن أبي بكر٢ أن أبا العباس كان يعتذر منه ويقول ٣: هذا شيء كنا رأيناه في أيام الحداثة, فأما الآن فلا. وحدثنا أبو علي قال: كان أبو يوسف٤ إذا أفتى بشيء٥ أو أمل٦ شيئًا فقيل له: قد قلت في موضع كذا غير هذا يقول: هذا يعرفه من يعرفه أي إذا أنعم النظر في القولين وجدا مذهبًا واحدًا.

وكان أبو علي -رحمه الله- يقول في هيهات: أنا أفتي مرة بكونها اسمًا سمي به الفعل كصه ومه وأفتي مرة أخرى بكونها ظرفًا٧، على قدر ما يحضرني في الحال. وقال مرة أخرى: إنها وإن كانت ظرفًا فغير ممتنع أن تكون٨ مع ذلك اسمًا سمي به الفعل كعندك ودونك. وكان إذا سمع شيئًا من كلام أبي الحسن يخالف قوله يقول: عكر٩ الشيخ. وهذا ونحوه من خلاج الخاطر وتعادي المناظر هو الذي دعا أقوامًا إلى أن قالوا بتكافؤ الأدلة١٠، واحتملوا أثقال الصغار والذلة.


١ كذا في أ، وفي ش، ب: "يتبع".
٢ هو ابن السراج، وأبو العباس هو المبرد.
٣ كذا في أ. وفي ش، ب: "يقول فيه".
٤ يريد صاحب أبي حنيفة يعقوب بن إبراهيم. مات سنة ١٨٣ في خلافة هارون الرشيد.
٥ كذا في أ. وفي سائر الأصول: "شيئا".
٦ كذا في أوهذا ونحوه، ب. وفي ش: "أملى" وهما لغتان.
٧ فإذا قلت: هيهات ما تقول فالمعنى: في البعد ما تقول، كما تقول: الحق أنك عالم أي في الحق وهذا الرأي سبق به المبرد في المقتضب في باب الاسم الذي تلحقه صوتا أعجميًا، يقول فيه: "فأما هيهات فتأويلها: في البعد، وهي ظرف غير متمكن، لإبهامها، ولأنها بمنزلة الأصوات".
٨ كذا في ج وفي عبارة اللسان "هيه". وفي سائر الأصول: "يكون".
٩ أي أخرج كلامه عن الوضوح والصفا، من قولهم: عكر الشراب: جعل فيه ما يكدره ويجعله عكرا.
١٠ تكافؤ الأدلة: تساويها. فلا ينصر مذهب على مذهب، ودلائل كل مقالة عند القائلين به مكافئة لدلائل سائر المقالات، وانظر الملل والنحل لابن حزم ٤/ ١١٩.

<<  <  ج: ص:  >  >>