للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قَضَيْتُ فَلَا عُدْوَانَ عَلَيَّ} وقال: {أَيًّا مَا تَدْعُوا فَلَهُ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى} فهذا ونحوه لم يلزم تقديمه من حيث كان مفعولًا. وكيف يكون ذلك وقد قال عز اسمه: {وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا} وقال تعالى: {وَلَقَدْ عَلِمْتُمُ الَّذِينَ اعْتَدَوْا مِنْكُمْ فِي السَّبْتِ} وقال: {يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَنْ مَوَاضِعِهِ} وقال: {قَدْ فَرَضَ اللَّهُ لَكُمْ تَحِلَّةَ أَيْمَانِكُمْ} وهو ملء الدنيا كثرة وسعة لكن إنما وجب تقديمه لقرينة انضمت إلى ذلك وهي وجوب تقدم الأسماء المستفهم بها والأسماء المشروط بها. فهذا من النقض العارض.

ومن ذلك وجوب تأخير المبتدأ إذا كان نكرة وكان الخبر عنه ظرفًا نحو قولهم: عندك مال وعليك دين وتحتك بساطان ومعك ألفان. فهذه الأسماء كلها مرفوعة بالابتداء ومواضعها التقديم على الظروف قبلها التي هي أخبار عنها إلا أن مانعًا منع من ذلك حتى لا تقدمها١ عليها، ألا "ترى أنك"٢ لو قلت: غلام لك أو بساطان تحتك ونحو ذلك لم يحسن٣، لا لأن المبتدأ ليس "موضعه التقديم"٤ لكن لأمر حدث وهو كون المبتدأ هنا نكرة ألا تراه لو كان معرفة لاستمر وتوجه تقديمه فتقول: البساطان تحتك والغلام لك. أفلا ترى أن ذلك إنما فسد تقديمه لما ذكرناه: من قبح تقديم المبتدأ نكرة في الواجب ولكن لو أزلت الكلام إلى غير الواجب لجاز تقديم النكرة كقولك: هل غلام عندك وما بساط تحتك فجنيت الفائدة من حيث كنت قد أفدت بنفيك عنه كون البساط تحته واستفهامك عن الغلام: أهو عنده أم لا؟ إذ كان هذا معنى جليًا مفهومًا. ولو أخبرت عن النكرة في الإيجاب مقدمة فقلت: رجل عندك كنت قد أخبرت عن منكور لا يعرف وإنما ينبغي أن تقدم المعرفة ثم تخبر عنها بخبر يستفاد منه معنى منكور نحو زيد عندك ومحمد منطلق وهذا واضح. فإن قلت: فلم وجب مع هذا تأخير النكرة في الإخبار عنها بالواجب قيل لما قبح ابتداؤها نكرة لما ذكرناه رأوا تأخيرها وإيقاعها في موقع الخبر الذي بابه أن يكون نكرة فكان ذلك إصلاحًا للفظ كما أخروا اللام لام الابتداء مع "إن " في قولهم: إن زيدًا لقائم لإصلاح اللفظ. وسترى ذلك في بابه بعون الله وقدرته. فاعلم إذًا أنه لا تنقض مرتبة إلا لأمر حادث فتأمله وابحث عنه.


١ كذا في أ. وفي ش، ب: "يقدمها".
٢ كذا في ش، ب وفي أ: "تراك".
٣ كذا في أ. وفي ش، ب، د، هـ: "يجز".
٤ كذا في أ. وفي ش، د، هـ، ب: "موضعه يحسن التقديم".

<<  <  ج: ص:  >  >>