للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الأصمعي, وقد كان أراده الأصمعي على أن يعلمه العروض فتعذر ذلك على الأصمعي وبعد عنه؛ فيئس الخليل منه فقال له يومًا: يا أبا سعيد كيف تقطع قول الشاعر ١:

إذا لم تستطع شيئا فدعه ... وجاوزه إلى ما تستطيع

قال: فعلم الأصمعي أن الخليل قد تأذى ببعده عن علم العروض فلم يعاوده فيه.

ووجه غير هذا وهو ألطف من جميع ما جرى٢ وأصنعه وأغمضه؛ وذلك أن يكون الخليل إنما أنكر ذلك لأنه بناه " مما"٣ لامه حرف حلقي والعرب لم تبن هذا المثال مما لامه أحد حروف الحلق إنما هو مما لامه حرف فموي وذلك نحو اقعنسس واسحنكك واكلندد٤، واعفنجج ٥. فلما قال الرجل للخليل "فارفنععا " أنكر ذلك من حيث أرينا.

فإن قيل: وليس٦ ترك العرب أن تبني هذا المثال مما لامه حرف حلقي بمانع أحدًا من بنائه من ذلك؛ ألا ترى أنه ليس كل ما يجوز في القياس يخرج به سماع فإذا حذا إنسان على مثلهم, وأم مذهبهم لم يجب عليه أن يورد في ذلك سماعًا, ولا أن يرويه رواية.

قيل: إذا تركت العرب أمرًا من الأمور لعلة داعية إلى تركه وجب اتباعها عليه ولم يسع أحدًا بعد ذلك العدول عنه. وعلة امتناع ذلك عندي ما أذكره لتتأمله فتعجب منه، وتأنق لحسن الصنعة فيه.


١ البيت لعمرو بن معد يكرب من قصيدته في ريحانة أخته، وكانت أسرت، ولم يستطع أن يستنقذها؛ أولها:
أمن ريحانة الداعي السميع ... يؤرقني وأصحابي هجوع
وانظر الخزانة ٣/ ٤٦٠، والأصمعيات ٤٣-٤٥، والأغاني بولاق ١٤/ ٣٣، وابن قتيبة ٢٣، ومعاهد التنصيص ٢/ ٢٣٦.
٢ كذا في أ. وفي سائر الأصول: "مضى".
٣ كذا في ش، ب. وفي أ: "فيما".
٤ أي غلظ واشتد.
٥ اعفنجج: أي أسرع.
٦ ثبت هذا الحرف في أصول الكتاب ما عدا ج فقد سقط فيها، وهو أسوغ.

<<  <  ج: ص:  >  >>