للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

في القياس, فإن ذلك مجازه وجهان: أحدهما أن يكون من نطق به لم يُحْكِم قياسه على لغة آبائهم, وإما أن تكون أنت قصَّرت عن استدراك وجة صحته. ولا أدفع أيضًا مع هذا أن يسمع الفصيح لغة غيره مما ليس فصيحًا, وقد طالت عليه وكثر لها استماعه فسرت في كلامه١، ثم تسمعها أنت منه وقد قويت عندك في كل شيء من كلامه غيرها فصاحته, فيستهويك ذلك إلى أن تقبلها٢ منه, على فساد أصلها٢ الذي وصل إليه منه. وهذا موضع متعب مؤذٍ يشوب النفس، ويشري٣ اللبس؛ إلّا أن هذا كأنه متعذر ولا يكاد يقع مثله. وذلك أن الأعرابي الفصيح إذا عدل به عن لغته الفصيحة إلى أخرى سقيمة عافها٤ ولم يبهأ بها. سألت مرة الشجري أبا عبد الله ومعه ابن عمٍّ له دونه في فصاحته, وكان اسمع غصنا فقلت لهما: كيف تحقّران "حمراء"؟ فقالا: حميراء. قلت: فسوداء, قالا: سويداء. وواليت من ذلك أحرفًا وهما يجيئان بالصواب, ثم دسست في ذلك "عِلْبَاء" فقال غصن: "عليباء", وتبعه الشجري. فلما همَّ بفتح الباء تراجع كالمذعور ثم قال: آه! عليبيّ ورام الضمة٥ في الياء. فكانت تلك عادة له إلّا أنهم أشد استنكارًا لزيغ الإعراب منهم٦ لخلاف اللغة؛ لأن بعضهم قد ينطق بحضرته بكثير من اللغات فلا ينكرها٧.


١ كذا في ش، ب. وفي أ: "كلامهم".
٢ كذا في أ, وسقط هذا الحرف في ش، ب، وقوله: "تقيلها" كذا في ش، ب. وفي أ: "تقبله". وقوله: "على أصلها" كذا في ش. وفي أ، ب: "أصله".
٣ أي: يجعله يشرى -بفتح الياء- أي: يلج ويكثر.
٤ يقال: بهأ بالشئ: أنس به وأحب قربه.
٥ روم الضمة: هو أن يأتي بها في الوقف على المضموم خفية، وهو من أنواع الوقف.
٦ كذا في أ، ش، ب. وفي أ: "منه".
٧ كذا في أ. وفي سائر الأصول: "لا ينكرها".

<<  <  ج: ص:  >  >>