للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

إلا أن أهل الجفاء وقوة الفصاحة يتناكرون خلاف اللغة تناكرهم زيع الإعراب, ألا ترى أن أبا١ مهديّة سمع٢ رجلًا من العجم يقول لصاحبه: زوذ, فسأل أبو مهديّة عنها فقيل له: يقول له: اعجَلْ, فقال أبو مهديّة: فهلَّا قال له: حيهلك. فقيل له: ما كان الله ليجمع لهم إلى العجمية العربية. وحدَّثني المتنبي أنه حضرته جماعة من العرب منصرفَهُ من مصر, وأحدهم يصف بلدة واسعة فقال في كلامه: تحير فيها العيون٣، قال: وآخر من الجماعة يحي٤ إليه سرًّا ويقول له: تحار تحار, والحكايات في هذا المعنى كثيرة منبسطة.

ومن بعد فأقوى القياسين أن يقبل ممن شُهِرَت فصاحته ما يورده٥, ويحمل أمره على ما عرف من حاله لا على ما عسى أن يكون من غيره. وذلك كقبول القاضي شهادة من ظهرت عدالته, وإن كان يجوز أن يكون الأمر عند الله بخلاف ما شهد به, ألا تراه يمضي الشهادة ويقطع بها وإن لم يقع العلم بصحتها؛ لأنه لم يؤخذ بالعمل بما عند الله, إنما أمر بحمل الأمور على ما تبدو٦, وإن كان في المغيب غيره. فإن لم تأخذ بها دخل عليك الشك في لغة من تستفصحه ولا تنكر شيئًا من لغته مخافة أن يكون فيها بعض


١ انظر في هذه القصة وقصة المتنبي ص٢٤٠ من الجزء الأول من هذا الكتاب.
٢ كذا في ش، ب وفي أ: "لما سمع". ويناسبه سقوط الفاء في "فسأل".
٣ كذا في ش، ب. وفي أ: "منها".
٤ كذا في أ. وفي ش، ب: "يجيء". والصواب ما أثبت. ويحي من الوحي وهو الرمز والإيماء.
٥ كذا في أ: وفي ش، ب: "يورد".
٦ كذا في ب، وفي أ، ش: "يبدو".

<<  <  ج: ص:  >  >>