للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فأما أي الأجناس الثلاثة تقدَّم -أعني: الأسماء والأفعال والحروف- فليس مما نحن عليه في شيء, وإنما كلامنا هنا: هل وقع جميعها١ في وقت واحد، أم تتالت وتلاحقت قطعة قطعة, وشيئًا بعد شيء, وصدرًا بعد صدر.

وإذ قد وصلنا من القول في هذا إلى ههنا, فلنذكر ما عندنا في مراتب الأسماء والأفعال والحروف, فإنه من أماكنه وأوقاته.

اعلم أن أبا عليّ -رحمه الله- كان يذهب إلى أن هذه اللغة -أعني: ما سبق منها ثم لحق به ما بعده- إنما وقع كلّ صدر منها في زمان واحد, وإن كان تقدَّم شيء منها على صاحبه, فليس بواجب أن يكون المتقدّم على الفعل الاسم، ولا أن يكون المتقدم على الحرف الفعل؛ وإن كانت رتبة الاسم في النفس من حصة القوة والضعف أن يكون قبل الفعل, والفعل قبل الحرف. وإنما يعني القوم بقولهم: إن الاسم أسبق من الفعل أنه أقوى في النفس، وأسبق في الاعتقاد من الفعل لا في الزمان. فأمّا الزمان: فيجوز أن يكونوا عند التواضع قدّموا الاسم قبل الفعل. ويجوز أن يكونوا قدَّموا الفعل في الوضع٢ قبل الاسم، وكذلك الحرف. وذلك أنهم وزنوا حينئذ أحوالهم وعرفوا مصاير أمورهم, فعلموا أنهم محتاجون إلى العبارات عن المعاني, وأنها لا بُدَّ لها من الأسماء والأفعال والحروف, فلا عليهم بأيّها بدءوا, أبالاسم أم بالفعل أم بالحرف؛ لأنهم قد أوجبوا على أنفسهم أن يأتوا بهنّ جُمَع, إذ المعاني لا تستغني عن واحد منهن. هذا مذهب أبي علي, وبه كان يأخذ ويفتي.


١ كذا في أ. وفي ش، ب: "جميعًا".
٢ كذا في أ، ب. وفي ش: "الموضع".

<<  <  ج: ص:  >  >>