للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فجاء به مجيء التجنيس, وليس على الحقيقة تجنيسًا صحيحًا. وذلك أن التجنيس عندهم أن يتفق اللفظان ويختلف أو يتقارب المعنيان؛ كالعقل والمعقل والعقلة والعقيلة ومعقلة١. وعلى ذلك وضع أهل اللغة كتب الأجناس. وليس الثرى من لفظ الثراء على الحقيقة, وذلك أن الثرى -وهو الندى- من تركيب "ث ر ي " لقولهم: التقى٣ الثريان. وأما الثراء -لكثرة المال- فمن تركيب "ث ر و "؛ لأنه من الثروة ومنه الثريّا؛ لأنها من الثروة لكثرة كواكبها مع صغر مرآتها, فكأنها كثيرة العدد بالإضافة إلى ضيق المحل. ومنه قولهم: ثَرَوْنا بني فلان, نثروهم ثروة, إذا كنا أكثر منهم. فاللفظان -كما ترى- مختلفان, فلا تجنيس إذًا إلّا للظاهر. وقد ذكرت هذا الموضع في كتابي في شرح المقصور والممدود عن ابن السكيت, وأنَّ الفراء تسمح٣ في ذكر مثل هذا على اختلاف أصوله, وأن عذره في ذلك تشابه اللفظين بعد القلب.

ومن ذلك قولهم: عدد طيس٤، وطَيْسَل. فالياء في طيس أصل, وتركيبه من "ط ي س ", "وهي"٥ في طيسل زائدة, وهو من تركيب "ط س ل ". ومثله الفيشة والفيشلة: حالهما في ذلك سواء. وذهب سيبويه٦ في "عنسل" إلى زيادة النون, وأخذها من قوله ٧:

عسلان الذئب أمسى قاربًا ... برد الليل عليه فنسل


١ المعلقة: "الدية".
٢ يقال ذلك إذا جاء المطر فرسخ في الأرض حتى يلتقي هو وندى الأرض.
٣ يريد أن القراءة ذكر الثرى والثراء في المقصور والممدود، فالثراء ممدود الثرى، وهما من مادتين مختلفتين، وشرط هذا اتحاد المادة.
٤ أي: كثير.
٥ زيادة في أ، سقط في ش, ب.
٦ انظر الكتاب ٢/ ٣٥٠. وعبارته: "ومما جعلته زائدًا بثبت العنسل؛ لأنهم يريدون العسول، وتراه لم يرود البيت الذي أورده المؤلف، والعنسل الناقة السريعة.
٧ أي: لبيد، وقيل: النابغة الجعدي، وانظر اللسان في عسل، وجزم في الجمهرة ١/ ٢٥٢ بنسبته إلى لبيد، وليس هذا البيت في قصيدة لبيد التي على هذا الروي في الديوان.

<<  <  ج: ص:  >  >>