للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ويدلك١ على أن افعوعل لما ضعفت عينه للمعنى انصرف به عن طريق الإلحاق -تغليبًا للمعنى على اللفظ وإعلامًا أن قدر المعنى عندهم أعلى وأشرف من قدر اللفظ- أنهم قالوا في افعوعل من رددت: "اردودّ" ولم يقولوا: اردودد, فيظهروا التضعيف للإلحاق كما أظهروه في باب٢ اسحنكك، واكلندد٣، لما كان للإلحاق بالحرنجم واخرنطم ولا تجد في بنات الأربعة نحو: احروجم, فيظهروا "افعوعل" من رددت فيقال: "اردودد"؛ لأنه لا مثال له رباعيًّا فيلحق هذا٤ به.

فهذا طريق المثل واحتياطاتهم فيها بالصنعة ودلالاتهم "منها"٥ على الإرادة والبغية.

فأما مقابلة الألفاظ بما يشاكل أصواتها من الأحداث, فباب عظيم واسع, ونهج متلئب عند عارفيه مأموم. وذلك أنهم كثيرًا ما يجعلون أصوات الحروف على سمت الأحداث المعبَّر بها عنها, فيعدلونها بها ويحتذونها عليها, وذلك أكثر مما نقدره٦، وأضعاف ما نستشعره٦.

من ذلك قولهم: خضم وقضم, فالخضم لأكل الرطب كالبطيخ والقثاء وما كان نحوهما من المأكول الرطب, والقضم للصلب اليابس نحو: قضمت الدابة شعيرها ونحو ذلك. وفي الخبر قد يدرك الخضم بالقضم, أي: قد يدرك الرخاء بالشدة واللين بالشظف. وعليه قول أبي٧ الدرداء: يخضمون٨ ونقضم والموعد الله.


١ كذا في أ. وفي ش، ب: "يدل".
٢ كذا في ش، ب وفي أ: "نحو".
٣ يقال: أكلندد: اشتد.
٤ كذا في ش، ب. وسقط في أ.
٥ كذا في أ. وسقط في ش، ب.
٦ كذا في ش، ب بالنون. وفي أبالتاء فيهما.
٧ في النهاية أن في حديث أبي ذر: "تأكلون خضماونا كل قضمًا", وفيها أيضًا: "وفي حديث أبي هريرة أنه مرَّ بمروان وهو يبني بيتًا له، فقال: ابنوا شديدًا، وأملوا بعيدًا، واخضموا فسنقضم"، وفي الأساس: "وفي حديث أبي ذر: "اخصموا نستقضم" ولم أقف على نسبة هذا لأبي الدرداء.
٨ كذا في ش، أ، ب. وفي ج: "تخضمونه".

<<  <  ج: ص:  >  >>